الرذيلة الإلكترونية

figuur-i
figuur-i

د. أحمد ياسين القرالة

لازمت المعصية الإنسان منذ وجوده على هذه البسيطة نظرا لطبيعته؛ فكانت أمرا طبيعيا في كل المجتمعات بما فيها المجتمع الإسلامي فهو ليس مجتمعا ملائكيا، والفرق بينه وبين غيره من المجتمعات، إنما هو في حجم المعاصي ونسبتها،وفي علانيتها والمجاهرة بها.اضافة اعلان
وقد وضع التشريع الإسلامي العديد من الإجراءات التي تحد من انتشار الرذيلة، وتمنع من المجاهرة بها وتحويلها إلى ظاهرة عامة؛ ودعا إلى مواجهتها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقديم النصح والإرشاد.
كما أن قانون العقوبات الأردني يجرم الفعل الفاضح ويعاقب على المجاهرة بالرذيلة، والشعب الأردني بكافة أطيافه بمن فيهم القائمون على تطبيق القانون وتنفيذه، لا يقبلون ولا يقرون بالخروج على قيم المجتمع وآدابه العامة، وهذه كلها أدوات تساعد على مواجهة الرذيلة والتصدي لها.
وقد حصلت في الفترة الماضية حادثة شاذة وغريبة على المجتمع الأردني خرجت عن كل القواعد الأخلاقية وتجاوزت جميع الآداب المرعية، وهي ممارسة الرذيلة وارتكاب الفاحشة بشكل فاضح وفي وضح النهار، وقد تم وللأسف تصويرها -مع أنه كان بالإمكان وقفها والحيلولة دون استمرارها- وجرى تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي؛ مما أدى إلى إشاعتها ونشرها في المجتمع الأردني على نطاق واسع، وهذه رذيلة لا تقل شناعة عن الفعل ذاته، بل هي أشنع منه وأكثر ضررا وأدوم بقاء منه.
فإذا كان الفعل الفاضح الذي حصل جريمة، فإن تصويرها وتداولها بهذه الطريقة جرائم مركبة ورذائل متعددة؛ لأنها أساءت لمالك المركبة التي استتر بها الفاعلون، وألحقت به ضررا بالغا، وأساءت لذات للفاعلين، فهم وإن كانوا عصاة مستحقين للحساب والعقاب ولكن القاعدة العامة في التشريع الإسلامي أن الظالم لا يُظلم وجنايته لا تكون سببا للحيف عليه، وكان من حقهم على من قام بتصويرهم ومن الواجب عليه أن يمنعهم من الاستمرار في تلك الرذيلة بدلا من التلذذ بالنظر إليها والانشغال بتصويرها وبثها للجمهور، حيث كان من الممكن أن يترتب على تصويره لها جرائم أخرى بحق الفاعلين.
وأبلغ الإساءات تلك التي لحقت بالمجتمع الأردني بنشر صور فاضحة لا يجوز دينيا ولا خلقيا نشرها وتداولها، وعملت على إشغاله بقضية هامشية ما كانت تستحق كل هذا الجدل لو لم يتم تصويرها ونشرها؛ فاتخذ منها مرضى النفوس هدفا لقذف المجتمع الأردني والطعن فيه، وتصويره على أنه مجتمع رذيلة متهتك متفسخ، وهو بالقطع ليس كذلك.
مما لا شك فيه أن لوسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرا وأثرا بالغا في نشر الوعي وصناعة الرأي العام وتغيير اتجاهاته الجمعية، وهي وسائل رقابة مهمة وأدوات ضغط قوية إن أحسن استخدامها وتوجيهها، ولكنها في الوقت نفسه قد تكون سلاحا مدمرا وتصبح معاول هدم تفتك بالمجتمع وتدمر بنيته الأخلاقية وتحطم ثقته بنفسه وتزعزع وحدته الوطنية وتقوض استقراره الأمني والاجتماعي.