الرزاز في حضوره ومحاضرته

السؤال الذي قفز إلى أذهان الكثيرين بعد محاضرة رئيس الوزراء عمر الرزاز في الجامعة الأردنية، أول من أمس، هو حول قدرة الرزاز على الوفاء بالوعود العريضة التي أطلقها لتحريك عجلة الاقتصاد وتحسين مستوى معيشة المواطنين والمضي بعملية الإصلاح السياسي إلى الأمام.اضافة اعلان
في أجواء الاحتقان الساخنة ومناخ انعدام الثقة، هذا أفضل رد فعل ممكن على محاضرة الرزاز. وبصراحة ليس مطلوبا أكثر من ذلك، فالتيار العريض من الأردنيين عانى طويلا من خيبات الوعود الحكومية وليس مطلوبا منه أبدا أن يعطي ثقة للحكومات على بياض.
الرزاز بدا مدركا، وبعمق، لمشاعر الناس تجاه الحكومات، ولذلك اختار أولا أن يصارحهم بالحقائق من دون مواربة، خاصة فيما يتعلق بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي حيال قانون ضريبة الدخل ومجمل عملية الإصلاح المالي. وفي الشأن المتعلق بخطط الحكومة وبرامجها المستقبلية التي وعد بعرضها مفصلة بعد أسابيع، قدم الرزاز أفكارا عملية محددة ومشاريع ستترجمها موازنة الدولة للعام المقبل، في مجالات تحسين قطاع النقل والخدمات الصحية والتعليمية. وأعلن نية الحكومة تأسيس شركة قابضة تتولى تنفيذ مشاريع استثمارية كبرى في مجالات البنية التحتية، تكون المساهمة فيها مفتوحة للمواطنين والمحافظ العربية بالإضافة لمساهمة الحكومة.
كنت أنتظر أن يشير الرئيس لمشروع المدينة الجديدة التي أعلنت عنها الحكومة السابقة، فهي باعتقادي ما تزال طموحا قابلا للتحقيق، وقد تكون من عناوين مشروع النهضة الاقتصادية ومحركا لقطاعات واسعة، ويمكن للشركة القابضة الموعودة أن تتولى تنفيذها على مراحل بالشراكة الكاملة مع القطاع الخاص.
وفي خطوة غير مسبوقة، تنوي الحكومة مأسسة دور الشركات الوطنية الكبرى في مجال المسؤولية الاجتماعية وإنشاء صناديق لهذه الغاية تحمل على عاتقها توجيه الموارد المالية المخصصة لخدمة أهداف التنمية. وينبغي التفكير أيضا بتوسيع العملية لتشمل تنظيم دور الجمعيات الخيرية ومؤسسات العون الاجتماعي، التي تحمل كتفا مع الدولة في رعاية الفئات الأقل حظا، خاصة وأن الحكومة بصدد توسيع مظلة صندوق المعونة الوطنية ليشمل نحو 100 ألف مستفيد جديد يستحقون الدعم.
يطمح الرزاز لتطوير قطاع الصناعات الأردنية لا لخلق فرص عمل جديدة فقط، بل لزيادة حجم الصادرات إلى الأسواق العالمية. الطموح مشروع من دون شك، لكن التحدي يتطلب جهودا استثنائية للارتقاء بتنافسية الصناعات الأردنية، وهي عملية لم ننجح فيها بعد.
بالمحصلة، الرزاز وعد بالعمل من أجل توفير ثلاثين ألف فرصة عمل جديدة في العام المقبل، بالاعتماد على حزمة من المشاريع الإنتاجية والخدمية التي تنوي الحكومة إطلاقها في مجالات الزراعة والإسكان والسياحة وغيرها من القطاعات.
الوفاء بهذه الوعود يحتاج إلى ديناميكات عمل جديدة وخلاقة في الجهاز البيروقراطي وصف معتبر من القيادات الحكومية من وزراء ومديرين ومسؤولين، لأن تجارب الماضي القريب علمتنا أن جهازنا الإداري مقبرة الأفكار والمشاريع الجديدة إذا لم تكن هناك قيادات شجاعة ومبادرة تكسر الروتين السائد، وتتحدى الصعوبات المتوارثة في السلوك والثقافة العامة.
تذكير الرزاز بالدولة القوية كأساس للديمقراطية الناجحة، جاء في الوقت المناسب، فثمة من يعتقد أن التقليل من مكانة مؤسسات الدولة وكسر هيبتها يخدم عملية الإصلاح الديمقراطي لكنه في الحقيقة يهدمها.
الرزاز في محاضرته سجل أفضل حضور أمام الجمهور منذ توليه رئاسة الحكومة.