الرسالة لم تصل

تتبع مناظرات الحزبين الأميركيين، الجمهوري والديمقراطي، المتصارعين على الرئاسة هذه الأيام، يثبت أن رسالة الربيع العربي لم تصل إلى العالم كما ينبغي. وعلى الرغم من أن الصراع على الناخب الأميركي مرتبط بالأجندات الداخلية، والتأمين الصحي وحده له وزن يتجاوز مرات كل السياسة الخارجية في حسابات الصناديق، إلا أن مكانة التحولات في العالم العربي، ومستقبل الصراع في الشرق الأوسط، يكادان يكونان معدومين مقابل كثافة الحضور الإسرائيلي الذي يتفوق على فكرة التحالف.اضافة اعلان
كأننا نسير عكس حركة التاريخ! فقد كان من المتأمل أن تفجر رياح الربيع العربي ثورة أخرى في السياسة، تبدأ بإعادة تعريف مواقف الأطراف العربية من الجذور البعيدة للاستبداد؛ أي تحريك البحيرة التاريخية الراكدة في إدارة الصراع حول القضية الفلسطينية، وإعادة صياغة شرعية مختلفة لميلاد سياسة جديدة تحرك الصراع الأساسي في الشرق الأوسط الذي أنهك كل شيء حولنا، وبرر كل المصائب والمحن. ولكن اقترابنا من نهاية العام الثاني لا يدل على جديد، ولعل الخطاب الإسرائيلي–الأميركي يؤكد أن رسالة الشعوب العربية لم تصل.
اليوم، يبدو الشرق الأوسط مغلقا وخاليا من السياسة، بينما يعج بصفقات الأسلحة والقتل والحروب الأهلية، وباقي الصفقات التي يوجد فيها كل شيء إلا السياسة. فقد كان من المبرر أن يقبل الرأي العام العربي تراجع مكانة القضية الفلسطينية في أولويات السياسة الدولية خلال العام الأول للثورات، وكان من المبرر، إلى حد ما، أن تغيب مركزية الصراع في خطاب الثورات وفي ميادينها، ولكن اليوم هناك ما يستدعي طرح الأسئلة الكبيرة، من قبيل: كيف تحول تاريخ الصراع من التحريك إلى الجمود، ومن الجمود إلى الموت؟ تتبدل السياسة في الشرق الأوسط ولكنها لا تتغير، والمفاجأة أن تموت بصمت كما يحدث هذه الأيام! يتبدل اللاعبون ومواقعهم، لكن الملعب وحساب الأهداف لا يتغيران.
لنلاحظ المحتوى الفكري لخطاب رئيس الدولة الإسرائيلية ومهندس صورة إسرائيل في العالم في مؤتمر منظمة "إيباك" الأخير: "بقليل من الأرض والماء والموارد، نما عدد سكان إسرائيل عشرة أضعاف، ونما الناتج المحلي الإجمالي خمسين ضعفا، فيما تقوم التكنولوجيا العالية والابتكارية الإسرائيلية بإثراء العالم، وتحول زراعتُها الصحراء إلى أرض خضراء. لقد أنشأت إسرائيل قرى جديدة، ومدنا جديدة، وجامعات جديدة، ومسارح جديدة، ومراكز ثقافية جديدة. ويتكلم أطفالنا لغة الأنبياء. والأدب العبري في حالة ازدهار. ومن شعب مشتت أصبحنا ديمقراطية موحدة. والسعي وراء السلام، بالنسبة لنا، ليس فرصة عابرة، بل هو واجب أخلاقي، إنه عقيدة أمننا القومي. ولكي تصنع السلام يجب على إسرائيل أن تكون قوية". النتيجة في المحصلة صفر؛  فالمطلوب إسرائيل أقوى وأكثر نقاء، بينما تتبادل النخب الإسرائيلية الأدوار لكي تبقى إدارة الصراع في نفس المكان؛ تشتري الوقت وتبيع العالم الوهم.
المسألة الأجدر بالانتباه هي أن الغرب يمارس عقلانية تاريخية واضحة ومعلنة في التعامل مع قضايا المنطقة. تستند هذه العقلانية إلى مصالح الغرب الصريحة، وقد وصل إلى قناعة بأن النظام الرتيب الذي بقي يهيمن على الشرق الأوسط خمسة عقود في طريقه إلى الزوال، وهذا ما حدث بالفعل. ولا يوجد لديه مشكلة في التعامل مع الأيديولوجيات ما دامت قادرة على التعايش مع التعددية وأصول الديمقراطية، وهذا ما سيحدث. ولكن السؤال المحير ونحن نشاهد حجم الحضور الإسرائيلي في الانتخابات الأميركية: هل بالفعل لم تصل رسالة الربيع العربي، وهل العالم غير مقتنع بديمقراطياتنا التي تطبخ على نار وقودها الشعوب نفسها؟

[email protected]