الرضا المغشوش!

أعني هذا النموذج الذي جربناه من الحياة: شبه الإيمان.. شبه الحب.. شبه العائلة.. شبه الأوطان.. شبه الأصدقاء.. وشبه الرضا! لم نتورط تماماً، ولم ننج تماماً، لم ننتصر جيداً، لم ننهزم بما يكفي، لم نذق عسل البلاد، ولم تثق بنا المنافي، لم نخلص للنساء ولم نتقن خيانتهن، لم نستمتع بدور الضحية ولم يناسبنا دور البطل! لم يرض عنّا العدو تماماً، ولم يغفر لنا الرومانسيون، ولم تؤهلنا الأحذية الرخيصة لقطع الطريق الطويلة، لم نكن الزبائن المفضلين لدى باعة الوهم، ولم يستطع أحدنا أن يرسم شكلاً تقريبياً للحقيقة! اخترعنا التورية لكي تراوغ المرأة في عمرها، ولكي يتحاشى الشاعر قبضة الشرطي، ولتحتمل "الحكاية" أكثر من رواية، لكن المرأة تزوجت من موظف "الأحوال" ووقع الشرطي في فخ القراءة وقبض النقاد على "مقصد الكاتب"! هل كان ذلك قيلولة مملّة أم نارا ضرورية لإنضاج العلاقات الباردة! هل اصطدمنا بأبنائنا لأنهم يشبهوننا أم لأنهم لا يشبهوننا، وهل اقتربنا من حافة الجنون أم اهتدينا لواجبات العقل، وهل قدمنا للحياة ما يكفي من الاقتراحات للنجاة.. أم كومة من الأسئلة الغارقة في الذعر! لم نختبر صلابة مقتنياتنا من القناعات والأفكار والعقيدة والانتماء... الخ، ولم نُعرّضها للأسئلة، ولم ننسج لها -أيضاً- قميص الحصانة المحكمة، يقول فتى إنه يموت من أجل الوطن ثم يموت من "البلهارسيا" في مستنقعات الوطن! تقول امرأة إنه لم يمسسها قبلك غير طبيب الأطفال وتخبئ في "صندوق الوارد" عشرين رسالة قصيرة! في شبه انتباه مفاجئ تروح تنبش في خمسين سنة من الشك: أين راح "اليقين" الذي كانت تغصّ به جيوبي؟!. لا طائل من البحث المحموم، كل الكؤوس "ملأى" بالنصف الفارغ! والنصف المترع مُكوّن من صفحات "الإنشاء" يصوغها كُتّاب مبتدئون، وعشاق يفتقرون للخبرة، هؤلاء الذين يتناقلون بسذاجة منقطعة النظير ما قيل في إحدى الجلسات من أن القناعة "كنز"! الغريب أن هذا "الكنز" متاحٌ حتى للحمقى، ولا يلزمك للحصول عليه سوى أن تلوذ بزاوية معتمة وتبقى تمضغ عبارات الرضا المغشوش... حتى يتكوّم في حضنك كالرضيع! وهي، إضافة الى ذلك، ثروة سهلة الحمل، لست مضطرا لمداهنة موظفي البنوك للاطمئنان عليها. "الرضا" هو الوجبة الاحتياطية المتوفرة دائماً حين لا يجد الفقراء عشاءهم... والغريب الغريب أنهم وحدهم من يستطيعون ملاحظة النصف الملآن حتى لو حطمت كل الكؤوس التي في بيوتهم فوق رؤوسهم!اضافة اعلان