"الرقم الوطني".. لأيّة غاية..؟!

عدّة مرات راجع ابني المركز الأمني لتحصيل إذن باستخراج وثائق شخصية بعد إبلاغه نفس المركزعن فقدانها قبل أيام. وعاد من مشواره الأخير كئيباً بعد أن وعدوه أمس بإعطائه الورقة اليوم، وما أعطوه -لأنّ دفتر العائلة والهوية الجامعية "لا تثبتان شخصيته". وقالوا: عد غداً بجواز سفر أو دفتر خدمة العلم. ولم يكن أحد قد أخبره في المراجعات السابقة ما الوثائق التي ينبغي أن يجلبها ليثبت شخصيته، سوى أن يكون فيها رقمه الوطني. وهكذا، أخذ دفتر العائلة للرقم الوطني، وهوية الجامعة للصورة!اضافة اعلان
وشكا وقد غامر بالسياقة إلى مركز الشرطة بلا رخصة سوق وعاد خالي الوفاض: "لماذا لا تكفي هوية الجامعة التي تحمل صورتي، ودفتر العائلة الذي فيه اسمي ورقمي الوطني لإثبات شخصيتي؟ لماذا الرقم الوطني إذن؟ وأصلاً: كيف تعرف دورية الشرطة تاريخك كله من رقمك الوطني والحاسوب، ولا يفعلون ذلك في المخفر ليتوثقوا منّي ويحلّوا عني؟".
آخ! سؤال ذو شجون! ولا بد أن يسأل مثله كثيرون ممن راجعوا دوائر حكومية لإنجاز معاملة، فحوّلوهم إلى دوائر أخرى في أماكن أخرى، أو حتى إلى فروع منفصلة لنفس الجهة المرجعية. وبافتراض وجوب أن تكون للموظف المعني إمكانية استخراج المعلومة باستشارة ملف المواطن المركزي عن طريق رقمه الوطني والحاسوب، فإنهم يعشقون إرسالك لجلب معلوماتك باليد، و"تعال بكرة". والأسباب التي يمكن التفكير فيها؟ تشغيل موظفي الدوائر الحكومية حتى لا تتفاقم البطالة؛ تنشيط السير والمواصلات؛ تمرين عضلات المواطن "بالمشوَرة" وتعريفه بجغرافية المدينة؛ تقوية الصلة بين الناس والدولة بالتواصل مع أكبر عدد من موظفي الدوائر المبتسمين الخدومين، شخصياً؛ وربّما تسلية الناس وإشغال أوقاتهم التي ليس لديهم ما يعملونه بها، فيصرفونها في أيام من الزيارات لإنجاز معاملة.
منطقياً، ينبغي أن يكون الرقم الوطني المفتاح السحري لحل المشكلات. وعلى سوء فكرة اختزال الإنسان في رقم، فلا بأس به إنْ يسّر المصالح. وحيثُ يستخدمون هذه الأرقام لغايتها، يستطيع المواطن إنجاز معظم معاملاته –خاصة استخراج الوثائق- بواسطة البريد. ونحن؟ أولى دول المنطقة التي هضمت تكنولوجيا المعلومات، وربطت أذرع الحكومة ومؤسساتها بعقل حاسوب مركزي واحد. ومع تفضيل أولويات أخرى، يخمّن المرء أنّ تكون أجهزة الأمن هي الأبرع والأسبق إلى استخدام تقنية المعلومات -لمعرفة دقائق أحوالنا! فكيف لا يستطيع مركز أمني حديث التوثق من شخص مواطن من دون جرجرته واستعدائه؟ ولماذا تظل مراجعة مركز الأمن كابوساً، حتى لمن ما لَه جريرة؟!
إذا لم أكن مخطئاً، فإنهم يسمون الرقم نظائر رقمنا الوطني في الدول المتقدمة "رقم الضمان الاجتماعي" أو "الأمن الاجتماعي". وهناك، بالإضافة إلى وظيفته في تسهيل المعاملات واختصار الوقت، يجلب اسمه الراحة ويؤشر على الغاية: ضمان المواطن وتوثيق كفالة المجتمع له، وإشعاره بالأمن والطمأنينة لعضويته في المجتمع/الدولة.
في المقابل، اتصل "الرقم الوطني" في عقلنا أكثر ما يكون، بظاهرة تبعد عن الأمان أكثر ما يكون: "سحب الأرقام الوطنية من أردنيين". وتولد إحساسٌ بأنّ هذه الأرقام لَم تُبتكر لتسهيل حياة الأردنيين وتنظيم أمنهم الاجتماعي، وإنّما للتشييك على أردنيّة حاملي الأرقام أصلاً (مفارقة)، وربما سحب أرقامهم والاعتذار عن منحها لهم أصلاً، فشطب أردنيتهم، فتدمير أمنهم. ومن يفهم مسوّغات سحب الرقم من أخ وإبقائه لتوأمه؟
كأنّي خلطتُ الأمور؟ أم أنها متشابكة أصلاً مثل خيط الصوف في أجمة شوك؟ لكنّ من المصادفات غير الغريبة أن نفس المركز الأمني كان أضاع هويتي الشخصية التي أودعتها لديه لكفالة قريب، وجعلني أتسلى شهوراً وأنا أتنقل بين الجوازات والأحوال والمركز نفسه، والجميع يقول: "مش عندي،" حتى حلّها صديق اتصل بمسؤول (بالواسطة). واعتقلت دورية لنفس المركز الأمني أحد المعارف يومين في النظارة –خطأ- خلطاً بأخ له غير شقيق. وكان اسمه محمد وأخوه محمود، واسم الوالدتين مختلف، حتى أنقذته (واسطة). ثم راجعنا "الأحوال" لتجديد دفتر العائلة، فحولوها إلى المتابعة والتفتيش ولم يتوثقوا من أردنيتنا من رقمنا الوطني وحواسيب الأحوال، فأقلقونا باحتمال سحب أرقامنا؛ فما الذي يضمن العكس؟!
قلت للولد معزيّاً: ليتها تقف عند هذا..! لا عليك، سأجد لك واسطة غداً.. أصلح الله الحال!

[email protected]