"الركبان" مشكلة ليست أردنية.. ولكن

اتهم بيان صدر، الأسبوع الماضي، عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الأردن بالتقصير في ملف اللاجئين السوريين العالقين منذ أشهر على الحدود السورية-الأردنية. إذ تذهب المنظمة إلى أن أوضاع اللاجئين ازدادت سوءا بعد القرار الأردني بإغلاق الحدود إثر هجوم الركبان الذي أدى إلى استشهاد سبعة من أفراد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. يحدث ذلك بعد سلسلة من التقارير الصحفية المحلية والدولية التي حاولت عرض بعض الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها قاطنو مخيم الركبان.اضافة اعلان
بالفعل، كما قال الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور محمد المومني، فإن مشكلة مخيم الركبان ليست مشكلة أردنية. هي مشكلة دولية نتيجة الصراع المحتدم فوق الأراضي السورية منذ أكثر من خمس سنوات، بل ودفع الأردن ثمنا غاليا نتيجة وجود هذا المخيم، ومن دماء أبنائه، ويدفع ثمن فاتورة اللجوء حتى من مستقبل الأجيال المقبلة.
لكن لا يمكن الاكتفاء رسميا بالاستمرار بهذه الحال. فالأردن الطرف الأكثر تضررا من وجود هذا المخيم الذي يؤوي نحو 100 ألف مهجّر (لاجئ) في ظروف إنسانية غاية في الصعوبة والقسوة، في الوقت الذي تقتضي الأولوية الأمنية والمصلحة الوطنية إبقاء الحدود مغلقة. ما يعني ضرورة أخذ زمام المبادرة، سياسيا وأمنيا وإنسانيا، لإغلاق هذا الملف، أو الحد من الأضرار التي يسببها وجود المخيم؛ سواء في الأبعاد الأمنية ومصادر التهديد التي قد يشكلها وجوده، وكذلك استمرار الأوضاع الراهنة وما قد تلحقه بصورة الدولة الأردنية وقيمها.
بيان "هيومن رايتس ووتش" ليس الأول ولا الوحيد؛ فقد سبقته بيانات أخرى، من بينها بيان منظمة "العفو الدولية" التي اعتبرت أن الإجراءات الأردنية لا تتفق مع القوانين الدولية. وفي الوقت الذي تفهمت العديد من الدول الكبرى هذه الإجراءات، في ضوء الضغوط الأمنية التي يواجهها الأردن عبر حدوده الشمالية، فإنه لا أحد يضمن إلى أي مدى سوف يستمر هذا التفهم، في ضوء ضغوط عشرات المنظمات الدولية، منها منظمات أممية.
في المقابل، فإنه في الوقت الذي أنشأت الحكومة مكتب ارتباط للمنظمات الدولية الراغبة في إيصال مساعداتها للمخيم، مثل "الصليب الأحمر" و"اليونيسف" و"المفوضية العليا لشؤون اللاجئين"، فإنه لا الأوضاع الأمنية للمخيم ولا الأوضاع الإنسانية تسمح باستمرار الوضع القائم أكثر مما هو عليه. فالأوضاع الإنسانية تزداد قسوة وتعقيدا، فيما يتحول المخيم إلى بيئة جاذبة للإرهابيين الهاربين من مواقع الضغط العسكري على الجبهات المتعددة التي باتت توقع الخسائر بعدد من التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم "داعش" الذي بات يخسر في الشمال ويكسب في الجنوب، وبالتحديد في المعارك التي تخوضها تنظيمات منتمية لداعش ضد الجيش الحر، ما قد يجعل الخيارات كافة متاحة أمام الأردن لاتخاذ خطوة إلى الأمام، بما فيها الخيارات الأمنية الوقائية. فالأوضاع قد تذهب إلى المزيد من التعقيد إذا ما ازدادت حدة المواجهات على الجبهة الجنوبية، مع معلومات تقول إن المحطة المقبلة للجيش السوري ستكون درعا البلد ومعبر نصيب على الحدود الأردنية، بعد ما حققه من تقدم  في داريا.
إعلاميا، يستثمر الوضع الإنساني في المخيم بشكل يضر بصورة الأردن ومصالحه. وللأسف، هناك وسائل إعلام تستثمر في هذا الملف لأهداف غامضة، وتحاول تحميل الأردن مسؤولية نتائج الحرب والصراع الدائر هناك. وفي التقدير العام، فإن المسألة أكبر من الحملات الإعلامية، وتحتاج إعادة تقدير الموقف والتقدم خطوة إلى الأمام.