الركود يصيب عمان

الزائر لمدينة عمان لأول مرة، وليس في جعبته الكثير من المعلومات عنها ولا عن قاطنيها، سيخرج بنتيجة حتمية، تتمحور حول أن شيئا ما غير طبيعي حدث أو سيحدث لهذه المدينة. فهذا الزائر وحتى المواطن الأردني، وذلك الذي يسكن العاصمة وضواحيها ومناطقها، يلفت نظرهم جلهم إن لم يكن جميعهم، كثرة اليافطات المكتوب عليها "معروض للبيع"، والتي لا يكاد يخلو منها أي حي من أحياء عمان، إلى درجة أنك قد تراها على شقق متقاربة وفي نفس الشارع، أو محال تجارية متلاصقة. يُحدثني صديق لي بأنه قد رأى في شارع واحد من شوارع إحدى مناطق عمان الغربية، سبعة محال تجارية مغلقة ومكتوب عليها إما للبيع أو للإيجار.. فإذا كان شارع واحد بمنطقة معروف عنها بأنها تجارية وفي حركة كاملة، لا نبالغ عندما نقول بأن الحركة فيها تبقى مستمرة لنحو 20 ساعة يوميًا.. تُصبح نسبة ليست بسيطة من محالها التجارية "مهجورة" أو مكتوب عليها للبيع أو للإيجار.. فهذا دليل على أن هناك أمرا غير طبيعي يحدث للحركة التجارية والاستثمارية في هذا البلد. وعندما يكون هناك زيادة في عدد الإعلانات القضائية التي تطرح شقق العديد من الأردنيين في مزادات علنية، فهذا مؤشر على أن هناك مصيبة في حال كانت الحكومة لا تعلم، وتصبح المصيبة أكبر إذا كانت تعلم.. فالكثير من الأردنيين سيفقدون أو يخسرون شققهم، أو بمعنى أصح مكان مأواهم، الذين أفنوا أعمارهم كي يستطيع الواحد منهم شراء شقة تستره وأفراد عائلته. وعندما يكون هناك أيضًا زيادة في ملاحقة البنوك للكثير من المقترضين، إضافة إلى أن بعض المستثمرين يتعرضون إلى "ابتزازات"، ستكون نتائجها وبالًا على الاقتصاد الأردني والاستثمارات.. فهذا يكفي لأن تفيق الحكومة من "سباتها" لتضع حلولا قابلة للتطبيق لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. إن ضعف الحركة التجارية أضر بأصحاب المحال وأجبرهم على هجرها، لسبب بسيط جدًا، وهو أنهم لم يعد بمقدورهم دفع إيجارات المحال التي يستأجرونها أو دفع رواتب العاملين لديهم، كما أن غلاء الإيجارات أثر سلبًا على استمرار الاستثمارات أو جلب مزيد من الاستثمارات، فضلًا عن أن "الخلو" المرتفع للكثير من المحال بدأ باستنزاف رأس المال. أعمى البصر والبصيرة من يشك للحظة بأن السياسات الحكومية تعمل بطريقة أو أخرى على "تأزيم" الوضع المعيشي للمواطن، وذلك بعد أن أثقلته برفع الأسعار، وبالتحديد الأساسية منها، وفرض ضرائب، إذا ما قورنت بتلك التي تفرضها دول متقدمة وعظمى، حتمًا سترجح كفة الضرائب الأردنية. وما يدل على ذلك ارتفاع المديونية حيث وصلت لنحو ثلاثين مليار دينار، وارتفاع معدلات البطالة إلى درجات غير مسبوقة، وازدياد نسبة الفقر بين الأردنيين، ناهيك عن العجز في ميزان المدفوعات، وتراجع عوائد الاستثمار، وضعف القدرة الشرائية للمواطن الأردني. تلك مشاكل يواجهها الشعب الأردني، نتيجة ملفات اقتصادية أثقلت حمل الأردنيين ولم تُحسن الحكومات المتعاقبة والحالية التعامل معها، حيث بدأ العمل بها منذ حكومة عبدالله النسور، وأكملتها حكومة هاني الملقي.. وها هي حكومة عمر الرزاز تسير على نفس النهج وترتكب ذات الأخطاء، وعلى المواطن أن يتحملها!. أيُعقل بعد كل ذلك أن تبقى حكومة النهضة صامتة، ولا تعلق.. والعجب العجاب من تصريحات بعض وزرائها، والتي يطغى عليها صفتان ظاهرتان للعيان فإما متناقضة أو يكذب بعضها البعض، فإحدى الوزيرات تقول إن هناك "انفراجة في الوضع الاقتصادي"، ولترجع وبعد فترة وجيزة لتؤكد "بأننا لم نخرج من عنق الزجاجة"، ووزير آخر يقول إن الوضع الاقتصادي بدأ يتحسن، والأمور الاقتصادية في الأردن "سمن وعسل"، وثالث يُغرد بأننا ما نزال في عنق الزجاجة.اضافة اعلان