الريادة.. بين تطوير المنتج وجلب الاستثمار

إبراهيم المبيضين - يعيش الريادي حالة "صراع" بمجرد الشروع في تطبيق فكرته لمشروع ناشئ، فهو يسعى، بشكل متواصل، لتحويل الفكرة إلى منتج حقيقي من جهة، ويثابر بقوة لجلب التمويل لمشروعه "الغض" من جهة أخرى.اضافة اعلان
وبين هذا وذاك، يشعر الريادي وكأنه في "دوامة" يكون فيها بأمس الحاجة للموازنة بين الأمرين، بحسب رياديين وخبراء استطلعت "الغد" آراءهم، حول أهمية المواءمة بين تطبيق الفكرة الريادية وتمويلها.
ويجمع رياديون على أن الكثير من الشباب يستهلكون وقتا طويلا في التركيز على تحصيل التمويل في جميع مراحل المشروع، خصوصا عند البداية، معتقدين أنه الأساس لنقلهم إلى مرحلة متقدمة، وهو أمر مطلوب لكن دون مبالغة، وفقا لمعظم الآراء.
وشددوا على أن الأهم، بنسبة كبيرة، هو التركيز على المنتج وإخراجه الى حيز الوجود بأقل الموارد، وأن التمويل والاستثمار سيلحقان في النهاية، بعد أن تنجح الشركة الناشئة في إثبات جدواها الاقتصادية وقابليتها للنمو والتوسع، فالمستثمر يبحث دائما عن شركة يمكنها البيع وتحقيق الإيرادات والربح.
ويقدر عدد الشركات الناشئة العاملة في منظومة ريادة الأعمال الأردنية بحوالي 400 شركة معظمها رقمية، وأكثر من 300 شركة ريادة اجتماعية، وقد استطاعت شركات أردنية، العام الماضي، أن تجلب استثمارات محلية وعربية وعالمية بعشرات الملايين من الدولارت.
ويعمل في منظومة ريادة الأعمال الأردنية، اليوم، حوالي 12 صندوقا استثماريا توفر التمويل لشركات ناشئة في مراحل متنوعة من عمر هذه الشركات، إلا أن الخبراء أكدوا أنه يجب التركيز على توفير جهات وشبكات من المستثمرين معنية بتوفير التمويل لمرحلة ما قبل التأسيس ومرحلة الفكرة كونها تعد من أهم مراحل حياة الشركة لتعزز انطلاقتها وتجهيزها مستقبلا للتوسع ولجلب الاستثمارات اللاحقة.
ومن واقع تجربته في إنشاء شركة ناشئة نجحت في استقطاب استثمار محلي في بداياتها واستثمار عالمي خلال العام الماضي، قال المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "ديكابولس" عبد الرحمن الحباشنة "إن المستثمر في كل مراحل المشروع يبحث دائما عن عائد على استثماره، وعن شركة ناشئة تمتلك منتجا يقدم قيمة مضافة للمستهلك ويلبي حاجته ليكون هذا المستهلك مستعدا لشرائه والدفع من أجل الحصول عليه".
وبناء عليه، يرى الحباشنة الذي يشرف منذ خمس سنوات على شركة تمتلك حلا تقنيا ونظاما لتتبع سلامة الأغذية باستخدام "البلوك تشين"، إن الأهم أن يعتني الريادي بتطوير المنتج ودراسة احتياجات السوق وبناء قاعدة من العملاء ومن ثم يبحث عن المستثمر.
وقال "عليك في البداية تحديدا بناء منتج بأقل الموارد، وحتى لو لم يكن مكتملا، واستقطاب عملاء مقتنعين بجدوى الخدمة أو المنتج الذي تعمل على تطويره ولديهم الاستعداد لشرائه والاعتماد عليه".
وأشار الحباشنة الى أن على الريادي أن يدرس السوق بدقة وعناية، واختبار المنتج للتأكد من جدواه وفرصه.
المدير العام لمركز تطوير الأعمال "BDC" غالب حجازي، يرى أن العديد من الشركات الأردنية الناشئة أو التي أسهم في تأسيسها أردنيون واستطاعت خلال السنوات الأخيرة أن تجلب استثمارات، لا تعبر عن قاعدة عامة بأن كل الشركات الناشئة تستطيع جلب الاستثمار في منظومة ريادة الأعمال، فالكثير منها اليوم لا يستطيع إقناع الجهات الممولة أو المستثمرين الأفراد أو صناديق الاستثمار للحصول على التمويل المناسب.
ويعتقد حجازي أن العامل الحاسم والمهم بالنسبة للشركة الناشئة حتى تكون قادرة على جلب الاستثمار، هو "بناء شركة قابلة للتطوير والنمو والتوسع" لأن المستثمر في النهاية يبحث عن عائد على استثمار وباستمرار، مؤكدا أهمية العمل من كل أطراف المعادلة اليوم؛ حكومة وجهات داعمة لريادة الأعمال، لتجهيز جيل كبير من الشركات الناشئة الجاهزة لجلب الاستثمارات.
وقال حجازي "اليوم في منظومة ريادة الأعمال بحاجة الى الكثير من العمل مع طرفي المعادلة: الريادي والمستثمر"، مبينا أننا بحاجة الى زيادة وعي وتعليم الرياديين الأسس والعوامل التي يستطيعون بها إقناع المستثمر، كما يجب توعية المستثمرين بأسس التعامل مع الريادة والاستثمار في الشركات الناشئة، والعمل بجد لتوفير بيئة استثمارية وبيئة تشريعية تشجع وتحفز الاستثمار في الشركات الناشئة الأردنية.
الحكومة أكدت، في سياستها العامة لريادة الأعمال، التي أقرتها في العام 2021، حرصها على اتخاذ التدابير التي من شأنها تعزيز الوصول إلى مصادر التمويل خلال رحلة حياة الشركة الناشئة من مرحلة التأسيس وحتى مرحلة النمو، وتمكين وتوسيع خيارات الصناديق والمسرعات القائمة وإعداد الخطط لتحفيز الشركات الريادية من تقديم مزايا ودعم إنشاء صناديق جديدة وتوفير مصادر متنوعة لتمويل ريادة الأعمال، بما في ذلك تمكين الصناديق من استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
إلى ذلك، أكد الرئيس التنفيذي للصندوق الأردني للريادة محمد المحتسب، أن توجه الريادي في أي اتجاه يركز أكثر على تطوير المنتج والشركة أو السعي بشكل أكبر لجلب الاستثمار، هو مسألة جدلية موجودة لدى كل الشركات الناشئة حول العالم وليست مسألة محلية.
وأوضح المحتسب أنه من المهم إيجاد "توازن" بين الاتجاهين، وأن أي خلل في هذا التوازن يمكن أن يتسبب للشركة الناشئة بالكثير من المشاكل، لدرجة أنه يمكن أن يقودها للفشل والخروج من السوق.
وأشار الى أنه من المهم للشركة الناشئة أن تجلب عائدا على الأموال المستثمرة فيها سواء من قبل المؤسسين أو من قبل مستثمرين فيها، وهذا العائد لن يتحقق إلا بمنتج أو خدمة عليها طلب يولد الإيرادات، لذا من المهم التوزان وألا يكون الهدف الرئيسي للريادي البحث عن التمويل وجلب الاستثمار فقط.
ونبه الى تحدّ في الاستثمار الناشئ عن فرق التوقعات بين الريادي وصندوق الاستثمار أو المستثمر، فالريادي كلما أحرز تقدما أو نضجت شركته الناشئة زادت أهمية وجود الكفاءات والمهارات الإدارية في عين صندوق الاستثمار أو المستثمر، وخاصة في الصناديق التي تستثمر في شركات في مرحلة النمو الناضج، فهم يبحثون عن النضوج الإداري لأنهم يستثمرون في مؤسسة أو شركة لا في الأفراد، بعكس الاستثمارات المبكرة؛ حيث يكون الاستثمار في الفرد والفكرة، لذا ينبغي للريادي أن يبلغ النضج في الفهم الإداري وأن يدرك ويبني احتياجات الشركة بما يتطابق مع توقعات المستثمر.
وقال المؤسس لشركة "Alefredobooks" الناشئة أحمد فريد آل سيف "الريادي غالبا ما يعتمد على ثلاثة مصادر للتمويل على مدار عمر المشروع؛ أولها التمويل الذاتي والادخار، أو التمويل من المنح (الجوائز والمسابقات)، أو الاستثمارات من أفراد أو صناديق استثمارية".
وأشار إلى أن أول مصدرين يناسبان في الغالب الريادي في أولى المراحل لبناء نموذج أولي للمنتج والانطلاق في عملية البيع والتشغيل، فيما يحتاج الريادي الى استثمارات بمبالغ كبيرة في مراحل لاحقة للتوسع والتطوير والنمو.
ويرى آل سيف أن 80 % من تركيز الريادي يجب أن ينصب على تطوير الفكرة ودراسة السوق وجلب العملاء والزبائن، والنسبة الباقية لتركيز الجهد على جلب الاستثمار أو المشاركة في مسابقات أو محاولات للحصول على منح.
وأشار إلى أن عددا من الرياديين يعيشون "وهم استحقاق الدعم والتمويل"، وخصوصا مع اعتقادهم وإيمانهم الزائد بالفكرة وبأنها الأكثر تفرداً في السوق.
ودعا آل سيف، الشباب والرياديين، إلى الانفتاح والتعلم من الجميع، وخصوصا في منظومة ريادة الأعمال، تعلم مفاهيمها وخطواتها وإجراءات التعامل مع أطراف المنظومة، وخصوصا جهات الدعم والتمويل. وأكد آل سيف أن على الريادي أن "يمسك العصا من المنتصف" دائما؛ إذ يوزع الجهد والمال مناصفة بين كل أطراف وأقسام الشركة حتى لا يضيع جهده وماله في اتجاه واحد، وهو ما سيساعده على توفير حالة من التوازن، خصوصا في الجانب المالي، تغنيه، كما يقول "عن الوقوف على أبواب المستثمرين".
وينصح الخبير في مجال ريادة الأعمال نضال قناديلو، الرياديين والشباب، بالعمل على تطوير منتج أو خدمة لها سوق ولديها مبيعات كبداية، ومن ثم يبدأ رحلة البحث عن تمويل واستثمار، ولكن دون الإسراف في عملية البحث هذه.
وشدد قناديلو على أهمية أن يبدأ الريادي رحلته بدراسة السوق بشكل كبير، والتأكد من أن هناك طلبا حقيقيا على منتجه أو الخدمة التي يقدمها لأنه الأساس في تطوير أعمال الشركة الناشئة وتوسعها وقدرتها على جلب الاستثمار في المستقبل.
وبين أن المستثمر يهتم كثيرا بوجود فريق عمل متكامل في الشركة يحمل خبرات ومهارات متنوعة تقنية وتسويقية وإدارية، كما أنه يهتم كثيرا برؤية منتج يحقق طلبا حقيقيا في السوق، فيما تهتم الصناديق الاستثمارية بشركات ناشئة قابلة للنمو والتوسع بشكل هائل حتى خارج سوقها المحلية.
ويرى الخبير والمدرب في مجال الابتكار والريادة د.ضياء قاسم، أن من أهم التحديات التي تواجه رياديي الأعمال، وخصوصا في البداية، هو تحدي نقص الموارد المالية اللازمة للبدء ببناء المنتج والعمليات التشغيلية للشركة، ما يدفعه للتفكير المستمر والتركيز على جلب الاستثمار أكثر من عملية تطوير المنتج أو إدارة الشركة.
وحتى لو جلبت الشركة الناشئة الاستثمار أو حصلت على تمويل، أكد قاسم أنه يجب على الريادي أن يكون متوازنا في الصرف ويتجنب أي ممارسات فيها إساءة لإدارة موارد الشركة المالية، لأن هذا الأمر من الممكن أن يقوده للفشل.