الرّبيع العربيّ ليس جاهزاً الآن

ليس من قبيل التّشاؤم القول بأنّ الرّبيع العربيّ لا ينتظرنا خلف الباب، ولكنّه منطق التّاريخ الذي ينظر إلى تحوّلات الشّعوب بعينٍ يتزاوج فيها الحذر بالتّأنّي بالأمل بالتّضحيات. فالتّغيير الاجتماعيّ/ السياسيّ لا يحدث بمجرّد اندلاع انتفاضةٍ أو ثورة، بل هو مسارٌ طويلٌ من أقسى المعاناة، وأعنف المواجهات والمعارك. ولربّما أنّ غياب هذه الحقيقة البدهيّة عن الشّعوب المناضلة والثّائرة هو أحد أسباب استمرارها وتأجّجها، لأنّها إن عمدت إلى منطق الرّبح والخسارة الآنيّين لم تتحرّر أوطانٌ، ولم تتغيّر أنظمةٌ.اضافة اعلان
ولكنّ الشعوب تتحرّك لا لأنّها قرأت التّاريخ وهي على خطى من سبقها من الثّورات، بل لأنها قرأت في واقعها تاريخ العسف والطّغيان، وما وقع على جسدها وروحها من عنفٍ، وما روّعها من ظلمٍ واستبداد. إنّها قراءةٌ للتّاريخ مغايرةٌ ومختلفة، تقوم على مبادئ الفيزياء التي تولي أهميّةً مطلقةً للضّغط ومفعوله المدمّر على المادة، ومفعوله المُميت على البشر. ولأنّ قانونَ البشر ليس كقانون الحجر، هذه الحقيقة التي تغيب عن الطاغية والمستبدّ، فإنّ خضوعَ الشّعوبِ للانطحان لا يكون على نحو استسلام المادة لقانون التفتّت تحت الضغط حتى آخر حصاة. فكلّما كان الصّمت على الظّلم طويلاً كان الانتفاض عليه مهولاً. وها هي القشّة التي تقصم ظهر البعير (وهو إدراكٌ عربيٌّ قديم لفيزياء الإكراه!) قد أخذت تقصم ظهر من ألقاها على شعبه. إنّه السدّ العالي الذي حُشرت فيه إمكانات شعوبٍ طال انتظارها جرياناً سلساً وآمناً، فانفجر!!!
ولكنّ من الأفراد والأحزاب والتجمّعات الأيديولوجية، يساراً أو يميناً، من يرى في (الفوضى) التي تلت تحرير البلاد من الرّئيس وخلعه دليلاً على خَطَلِ "التمرّد" (يُسمّونها تمرّداً ومؤامرةً واستعجالاً ورعونةً...!!!)، وعلى نزعة تدمير الذّات لدى الشّعوب، وعلى انقيادها لأصابعَ أجنبيّة!! من دون أن يلجأ هؤلاء إلى تاريخ الثّورات يستقرئونه، حيث لا تنطوي صفحة نظامٍ كما لو في كتاب، بل إنّه دهرٌ سيتناسل بالموت والاختلاف والانشقاق قبل أن تستيقظ أمّةٌ على فجرٍ يصمت فيه الرّصاص، وتُشرق عليه شمسٌ رحيمة.
إنّه دمارٌ وغبارُ نقعٍ واحترابٌ وفوضى عارمة، ولكنّ ربيعاً حقيقيّاً سيدخل بيوتَنا ذات يومٍ، وليس أكيداً أننا سنشهده في حياتنا، نحن من في خريف العمر أو شتائه، ويكفي أن نصبّر به بناتنا وأبناءنا في مواجهتهم جبروت الطّاغية ونظامه المجرم!!
دعونا لا نفقد الأمل.......

[email protected]