الزحف المتهور على بغداد: الدروس الصحيحة والخاطئة من حرب العراق (1 - 2)

جندي أميركي ينظر إلى تمثال الرئيس صدام حسين المدمر بعد احتلال بغداد، 2003 - (أرشيفية)
جندي أميركي ينظر إلى تمثال الرئيس صدام حسين المدمر بعد احتلال بغداد، 2003 - (أرشيفية)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة هال براندز* - (فورين أفيرز) 28/2/2023 كتب عالم اللاهوت رينهولد نيبور Reinhold Niebuhr في العام 1923، بعد خمسة أعوام فقط من انتهاء الحرب العالمية الأولى: "الحقيقة المروعة الكاملة عن الحرب يجري الكشف عنها. كل كتاب جديد يدمر المزيد من الوهم. كيف يمكننا أن نصدق أبدًا أي شيء مرة أخرى؟". كان الأميركيون قد أمِلوا ذات مرة أن تجعل "الحرب العظمى" العالم مكانًا آمنًا للديمقراطية. ولكن بحلول العشرينات من القرن الماضي، ساد تفسير أكثر قتامة. جادل المفكرون من أنصار مراجعة التاريخ بأن الحلفاء كانوا مسؤولين عن بدء الحرب هم أيضًا، مثلهم مثل الألمان. وقالوا إن الصراع قد مكَّن ببساطة مجموعة من الإمبراطوريات الشرهة على حساب أخرى. وكان الشيء الأكثر استحقاقًا للإدانة، كما ادعوا، هو أن حرب واشنطن كانت متجذرة في الجشع والأكاذيب -وأن الولايات المتحدة جرها إلى صراع لا داعي له الممولون، ومصنعو الأسلحة والمصالح الأجنبية. واستطرد نيبور: "كانت الادعاءات الأخلاقية لأبطال الحرب وهمية". في الواقع، لم تكن الاكتشافات المفترضة عن الحرب العالمية الأولى كما بدت تمامًا. على الرغم من أن أسباب الصراع ستظل محلاً لنزاع لا نهاية له، إلا أنها كانت ترتكز في المقام الأول على التوترات التي خلقتها ألمانيا القوية والاستفزازية. ولم يكن جشع الشركات هو الذي دفع واشنطن إلى الحرب. بدلاً من ذلك، كانت قضايا مثل حرية البحار والغضب من الفظائع الألمانية هي التي دفعت أميركا إلى دخول المعركة. ولم يكن التدخل الأميركي عديم الجدوى: لقد ساعد على قلب وجهة المد على "الجبهة الغربية" ومنع ألمانيا من تشكيل إمبراطورية قارية تمتد من بحر الشمال إلى القوقاز. ولكن، وسط خيبة الأمل التي زرعتها حرب دموية وسلام غير كامل، ازدهرت المزيد من التفسيرات القاتمة -وأثرت بشكل لا يمحى على سياسة الولايات المتحدة. في العشرينيات من القرن الماضي، كانت الآراء المحبطة عن الحرب الأخيرة هي السبب وراء قرار الولايات المتحدة رفض تقديم التزامات استراتيجية في أوروبا. وفي الثلاثينيات، شجعت المخاوف من أن "تجار الموت" جروا البلد إلى الحرب على إصدار قوانين صارمة من أجل التزام الحياد، تهدف إلى إبعاد أميركا عن النزاعات المستقبلية. وقام الانعزاليون الرائدون، مثل تشارلز ليندبيرغ Charles Lindbergh والأب تشارلز كوغلين Charles Coughlin، بتوجيه هذا التفسير المشوه للحرب العالمية الأولى عندما جادلوا بأن الأقليات الأنانية والمصالح الغامضة كانت تخطط مرة أخرى لجر الولايات المتحدة إلى الحرب. وجعلت هذه الديناميات من الصعب على الولايات المتحدة أن تفعل أكثر من مجرد المراقبة بينما ينهار النظام العالمي. وتشكل وجهات النظر حول الحروب الماضية بشكل ثابت الكيفيات التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع التهديدات الراهنة. في حقبة ما بين الحربين العالميتين، حرضت المراجعة التاريخية في الديمقراطية الرائدة في العالم المراجعات الجيوسياسية التي أجراها الاستبداديون المتوحشون.

حرب العراق تركت بصمة دائمة على النفسية الأميركية

عندما تسير الحروب التي تبدو جيدة بشكل سيئ، غالبًا ما يستنتج الأميركيون أن تلك الحروب كانت غير مجدية أو أنها كانت فاسدة منذ البداية. ومنذ الغزو الأميركي للعراق، في العام 2003، رأى العديد من المراقبين هذا الصراع كما رأى نيبور ذات مرة الحرب العالمية الأولى. ثمة الآن إجماع من الحزبين على أن الحرب كانت خطأ فادحًا قائمًا على أساس فرضيات خاطئة، وهو ما كانته بالفعل. لكن العديد من النقاد ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك، فروجوا لما لا يمكن تسميته إلا نظريات مؤامرة: أن الحرب كانت من عمل لوبي قوي مؤيد لإسرائيل أو مجموعة شريرة من المحافظين الجدد، وأن الرئيس جورج دبليو بوش كذب عمداً من أجل بيع صراع كان حريصًا على خوضه، أو أن الولايات المتحدة تدخلت بدافع شهوة النفط أو دوافع أخرى خفية. وليست هذه صرخات صاخبة تصدر من هامش مجنون. في العام 2002، في الفترة التي سبقت الغزو، وصف باراك أوباما، سيناتور ولاية إلينوي في ذلك الحين، الصراع القادم بأنه "حرب غبية" مدفوعة بمحاولة إدارة بوش "إلهاء" الأميركيين عن المشاكل الاقتصادية و"فضائح الشركات". وكرئيس، وصف دونالد ترامب الغزو بأنه "أسوأ قرار منفرد تم اتخاذه على الإطلاق"، وألقى باللوم على مقاولي الدفاع الجشعين والجنرالات السعداء بتشجيع المغامرات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط. وقدم نقاد آخرون تفسيرات أكثر حكمة لأصول الحرب. ولكن في كثير من الأوساط، ما تزال حرب العراق مرادفًا للخداع وسوء النية. الآن، بعد عشرين عامًا من إطلاق الغزو الأميركي، لم يحجب مرور الوقت حقيقة أن الحرب كانت مأساة ألحقت خسائر فادحة بالولايات المتحدة وخسائر أكبر بالعراق. وإذا كانت الحرب العالمية الأولى، لدى مراجعتها في وقت لاحق، حربًا تفوقُ فوائدُها بالتأكيد تكاليفها على الولايات المتحدة، فإن حرب العراق كانت حربًا ما كان على واشنطن أن تخوضها أبدًا. ولكن، كما أظهر ملفين ليفلر Melvyn Leffler في كتابه الجديد "مواجهة صدام حسين" Confronting Saddam Hussein، كانت الحرب مأساة يمكن فهمها، ولدت من دوافع شريفة ومخاوف حقيقية. ويمكن للمرء أن يضيف أنها كانت مأساة أميركية: لم تكن الحرب من عمل أي فصيل ماكر ولكنها حظيت في البداية بدعم واسع النطاق من الحزبين. وأخيرًا، كان العراق مأساة منطوية على مفارقة: فشل الولايات المتحدة في حرب، والذي غالبًا ما يتم تصويره على أنه مثال للغطرسة الأميركية، كان في النهاية نتيجة لـ، أولاً، الكثير من التدخل، ثم بعد ذلك القليل جدًا منه. لن تكون للولايات المتحدة سياسة خارجية سليمة حتى تفهم بشكل صحيح قصتها المحزنة والمعقدة في العراق. والآن، بعد جيل بعد الزحف إلى بغداد، ليس أقل التحديات التي ما تزال ماثلة بشأن حرب العراق هو فهم تاريخها، وبالتالي دروسها، بالشكل الصحيح.

المهمة لم تنجز

لا يمكن لأي مراقب جاد أن يجادل في حكم مبكر واحد على العراق: أنها كانت كارثة. قررت إدارة بوش مواجهة صدام حسين في 2002-2003 للقضاء على ما اعتبرته تهديدًا متزايدًا -وبعد 11 أيلول (سبتمبر)، لا يطاق للأمن الأميركي. وكان الهدف هو الإطاحة بطغيان وحشي كان ينبوعًا للعدوان وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، من خلال تدخل وجيز ومنخفض التكلفة. لكن القليل جدًا سار حسب الخطة. أفسح الانتصار على نظام صدام الطريق أمام قيام تمرد مستعر وحرب أهلية مروعة. وقد ارتفعت التكاليف العسكرية والاقتصادية في شكل دوامة صاعدة. بين العامين 2003 و2011، قُتل أكثر من 4.000 جندي أميركي في عمليات مرتبطة بالعراق وأصيب أكثر من 31.000 آخرين. أما بالنسبة لعدد القتلى العراقيين، فلا أحد يعرف على وجه اليقين، لكن الباحثين قدروا عدد القتلى بين 100 ألف و400 ألف خلال الفترة نفسها. وفي غضون ذلك، انهارت مصداقية المجهود الحربي عندما تبين أن مخزون صدام المشتبه به من أسلحة الدمار الشامل غير موجود في الغالب. وعانت سمعة الولايات المتحدة بشأن الكفاءة من حيث سوء التخطيط وسوء التقدير المتسلسل -الفشل في الاستعداد بشكل مناسب لفراغ السلطة بعد سقوط صدام، ونشر عدد قليل جدًا من القوات لتحقيق الاستقرار في البلاد، وحل الجيش العراقي بطريقة غير حكيمة، والعديد من السقطات الأخرى -مما أفسد الاحتلال اللاحق وغذى الفوضى التي أعقبته. وبدلاً من تعزيز الموقف الجيوسياسي للولايات المتحدة، أدى الصراع إلى إضعافه في كل مكان تقريبًا. كثفت الحرب دوامة طائفية في العراق وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، بينما حررت إيران ثيوقراطية لتوسيع نفوذها. ومن خلال تحويل العراق إلى مرجل للعنف، أعاد الغزو إحياء تنظيم القاعدة والحركة الجهادية الأوسع التي كانت قد ضُربت بشدة بعد 11 أيلول (سبتمبر). وتوافد المقاتلون الأجانب على العراق للحصول على فرصة لقتل الجنود الأميركيين. وبمجرد وصولهم إلى هناك، أنشأوا شبكات إرهابية جديدة واكتسبوا خبرات قتالية قيمة. كما تسببت الحرب في شقاق مؤلم مع حلفاء أوروبيين رئيسيين. واستهلكت الطاقات الأميركية التي ربما كان يمكن استغلالها للتعامل مع مشاكل أخرى، من البرنامج النووي لكوريا الشمالية، إلى سياسة الانتقام الروسية وصعود الصين. مع ذلك، أصبحت انتقادات الحرب مبالغًا فيها لدرجة أنه قد يكون من الصعب إبقاء حجم الضرر في نصابه الصحيح. بل إن أحد المعلقين البارزين، ديفيد كيلكولن David Kilcullen، اعتبر الحرب مماثلة لغزو هتلر الذي كان محكومًا عليه بالفشل للاتحاد السوفياتي. صحيح أن الخسائر البشرية كانت مذهلة، لكنها بالنسبة للجيش الأميركي بلغت ما يقرب من ربع الوفيات التي عانت منها القوات الأميركية في أكثر الأعوام دموية في حرب فيتنام. وبمجرد أن تمكنت القوات الأميركية من السيطرة على التمرد في البلد في 2007-2008، أصبح العراق فخًا مميتًا للجهاديين الذين كانوا قد توافدوا إلى هناك. وتم إصلاح الكثير من أسوأ الأضرار التي لحقت بتحالفات الولايات المتحدة في فترة ولاية بوش الثانية أو تجاوزتها ببساطة تحديات جديدة. وبحلول العام 2013، مع خروج القوات الأميركية من العراق، كان الخطأ الفادح في الشرق الأوسط الذي شغل العديد من الدول الأوروبية هو قرار أوباما عدم التدخل في سورية بعد أن استخدم بشار الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه. وبشكل عام، أثرت حرب العراق على القوة الأميركية، لكنها بالكاد دمرتها. في أوائل العقد الثالث من الألفية، ما تزال الولايات المتحدة اللاعب الاقتصادي والعسكري البارز في العالم، ولديها مشكلة أكبر في إبعاد البلدان عن شبكة تحالفها التي لا مثيل لها أكثر مما لديها في جلبها إليها. كان المكان الذي تركت فيه الحرب في العراق بصمة دائمة هو النفسية الأميركية. فقد أدى تدخل مكلف أسيئت إدارته لفترة طويلة إلى تقويض الثقة المحلية في قوة الولايات المتحدة وقيادتها. وأثار دعوات إلى الانسحاب وإعادة التخندق -ليس فقط من العراق أو الشرق الأوسط، ولكن أيضًا من العالم جميعًا. بحلول العام 2014، كانت النسبة المئوية للأميركيين الذين يقولون إن على الولايات المتحدة أن "تبقى بعيدة عن الشؤون العالمية" أعلى مما كانت عليه في أي وقت منذ بدء الاستطلاعات حول هذا السؤال. وبحلول العام 2016، العام الذي انتخبت فيه البلاد رئيسًا أعاد إحياء الشعار الانعزالي "أميركا أولاً"، اتفق 57 بالمائة من المشاركين في استطلاع أجراه "مركز بيو للأبحاث" على أن واشنطن يجب أن تهتم بشؤونها الخاصة. كان هذا الأثر من مخلفات حرب العراق هو الأكثر إيلامًا لأنه جعل الولايات المتحدة في حالة خمول استراتيجي بينما كانت المخاطر التي تشكلها القوى العظمى المنافسة في ازدياد. وإذا كانت فيتنام قد حفزت، كما قال هنري كيسنجر في مذكراته، "هجومًا على سياستنا الخارجية بأكملها بعد الحرب"، فإن التاريخ أصبح يعيد نفسه هنا بالفعل.

التراجع في الوقت المناسب

الكيفية التي دخلت بها الولايات المتحدة في هذه الفوضى هي موضوع كتاب "مواجهة صدام حسين". ولا أحد أكثر ملاءمة للإجابة عن هذا السؤال من ليفلر، المؤرخ الدبلوماسي الذي يحظى بإعجاب كبير. وتعد دراسته البارزة للحرب الباردة المبكرة، "التفوق للقوة"، نموذجًا لكيفية انتقاد أخطاء صانعي السياسات، مع الاعتراف بإنجازاتهم وفهم الضغوط الشديدة التي شعروا بها. يتطلب التأريخ الجيد التعاطف -رؤية العالم من خلال عيون الأشخاص حتى عندما يختلف المرء معهم- وعمل ليفلر مليء به. تعد "مواجهة صدام حسين" أكثر دراسة علمية لأصول الحرب جديّة، حيث تعتمد على المقابلات مع صانعي السياسة الرئيسيين والمواد الأرشيفية المحدودة التي تم رفع السرية عنها. ويهدف ليفلر في دراسته إلى الفهم وليس الإدانة. وأطروحته هي أن حرب العراق كانت مأساة، لكنها مأساة لا يمكن تفسيرها بنظريات المؤامرة أو مزاعم سوء النية. كما يوضح ليفلر، قبل الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، اعتقد المسؤولون الأميركيون أن المشكلة التي يطرحها وجود عراق غير حميد وغير نادم كانت تزداد سوءًا، لكنهم أظهروا القليل من الحس بالإلحاح في معالجتها. وبعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، تزامنت المخاوف طويلة الأمد بشأن برامج أسلحة صدام وعلاقاته بالإرهابيين وميله للعدوان مع ظهور مخاوف جديدة من أن الفشل في التعامل مع المشاكل المزمنة، لا سيما تلك التي تجمع بين أسلحة الدمار الشامل والإرهاب، قد تكون له عواقب وخيمة. ووسط انعدام الأمن الملموس، رفع بوش الأمور إلى ذروتها، أولاً من خلال التهديد بالحرب في محاولة لجعل صدام ينزع سلاحه بشكل يمكن التحقق منه، وبعد ذلك -بعد أن استنتج أن هذه الدبلوماسية القسرية قد فشلت- عن طريق الغزو. وكتب ليفلر أن "الخوف، والقوة، والغطرسة، أنتجت حرب العراق: الخوف من أن واشنطن لم يعد يمكنها أن تتجاهل الأخطار المحتدمة؛ القوة التي يمكن أن تستخدمها ولايات متحدة لا تُدانى للتعامل مع مثل هذه المخاطر بشكل حاسم؛ الغطرسة التي دفعت بوش إلى التفكير بإنه يمكن إنجاز هذا المسعى بسرعة وبتكلفة زهيدة. لم يكن كتاب ليفلر تبرئة ولا ذريعة. في الكتاب، كان الخلل البيروقراطي الذي أعاق نقاش البحث قبل الغزو والتنفيذ الكفؤ بعد ذلك قيد العرض. وكذلك حال الفشل في التدقيق في المعلومات الاستخباراتية الضئيلة والافتراضات المعيبة. إن الإحساس بالغاية الذي دفع بوش بعد 11 أيلول (سبتمبر)، إضافة إلى كراهيته الشديدة لصدام -الذي كان، بعد كل شيء، أحد أكبر المذنبين في العصر الحديث- جلب الوضوح الأخلاقي، بقدر ما جلب قصر النظر الاستراتيجي. ويشير ليفلر إلى أن بوش وحليفه المقرب، رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، "كانا يكرهان صدام حسين"، وأن "رؤيتهما لتحديه، وخداعه، وبربريته" شكلت سياساتهما بقوة. ولكن لا شيء من هذا النقد يشكل أخبارًا في العام 2023، ولذلك، فإن مساهمة ليفلر الحقيقية تكمن في نسف الأساطير الضارة حول أصول الصراع.

تصحيح السجل

إحدى الأساطير هي أن العراق كان قد تم احتواؤه فعليًا حوالي العام 2001، ولذلك، فإن الغزو الذي تلا إنما عالج تحديًا وهميًا متخيلاً. في الحقيقة، بدت مشكلة العراق -كيف يمكنك أن تتعامل مع نظام هزمته واشنطن في حرب الخليج 1990-1991 لكنه ظل يشكل تهديدًا للاستقرار الدولي- حقيقية للغاية. كان صدام قد طرَد مفتشي الأمم المتحدة عن الأسلحة في العام 1998؛ ومع تآكل نظام العقوبات المصاحب، زاد العراق تمويله للمفوضية الصناعية العسكرية بأربعين ضعفًا. وزرع النظام مجموعات إرهابية لا تعد ولا تحصى في الأراضي الفلسطينية، ومصر، ودول أخرى في الشرق الأوسط. وكان صدام قد دمر سرًا مخزوناته من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، ولكنه لم يدمر البنية التحتية لتطويرها. كانت الجهود التي دامت عشر سنوات لاحتواء صدام تستنزف الموارد الأميركية، بينما أصبح الوجود العسكري الأميركي الداعم في المملكة العربية السعودية بمثابة منجم لتعزيز التجنيد لتنظيم القاعدة. كما عانت صورة الولايات المتحدة العالمية من مزاعم مبالغ فيها بشأن الضرر الذي تلحقه العقوبات الاقتصادية بالمواطنين العراقيين. لقد شكل صدام تهديدًا متناميًا، إن لم يكن وشيكًا. وهذا هو السبب، كما أوضح العالم السياسي فرانك هارفي Frank Harvey، في أن أي إدارة أميركية كانت ستشعر بالضغط لحل مشكلة العراق بعد 11 أيلول (سبتمبر). وهذا هو السبب أيضًا في أن أي نقد مسؤول للحرب يجب أن يأخذ على محمل الجد مخاطر عدم إزاحة صدام من السلطة -على سبيل المثال، احتمال أنه ربما سيقوم في نهاية المطاف باستخدام القوة ضد جيرانه مرة أخرى أو أن طموحاته ربما كانت للتفاعل بشكل متفجر مع طموحات إيران تتحول إلى نووية. كما يدحض ليفلر أيضاً نظرية "الاندفاع إلى الحرب"، التي تقول إن بوش كان يتطلع إلى غزو العراق قبل 11 أيلول (سبتمبر). لم يكن أي من كبار صناع السياسة في ذلك الوقت يتصور أي شيء مثل غزو كامل، وكان اهتمام بوش يتجه إلى مكان آخر. وكما كتب ليفلر، فإنه حتى نائب وزير الدفاع في ذلك الحين، بول وولفويتز، الذي فضل جهدًا طويل الأمد لإسقاط نظام صدام، "لم يكن يدعم غزوًا عسكريًا، أو نشر القوات البرية الأميركية" في أوائل العام 2001. وبعد أن زادت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) بشكل كبير من حساسية الولايات المتحدة تجاه جميع التهديدات، أصبح بوش مقتنعًا تدريجيًا بالحاجة إلى مواجهة صدام، لكن ذلك لم يحدث إلا في أوائل العام 2003 -بعد أن واصل العراق لعبة القط والفأر مع المفتشين الدوليين، الذين يعاد إدخالهم إلى البلد بسبب الضغط الأميركي- حين خلص بتردد وعلى مضض إلى أن الحرب كانت حتمية. ولم تكن الحرب من بنات أفكار المحافظين الجدد الأقوياء العاكفين على أجندة متطرفة لتعزيز الديمقراطية. في الحقيقة، أولئك الأقرب إلى مركز القرار -وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ونائب الرئيس ديك تشيني، وخاصة بوش نفسه، الذي يظهر، عن حق، في كتاب ليفلر باعتباره الفاعل الرئيسي- بالكاد كانوا من المحافظين الجدد. ومن الأفضل وصف رامسفيلد وتشيني بالقوميين المحافظين. وكان بوش نفسه قد خاض حملته الانتخابية ضد مهام بناء الدولة في الخارج، ودعا إلى سياسة خارجية "معتدلة" عند ترشحه لمنصب الرئيس. وكان للمسؤولين الأقرب إلى حركة المحافظين الجدد، مثل وولفويتز، تأثير ضئيل على سياسة العراق. وعندما سعى وولفويتز إلى توجيه تركيز الإدارة على العراق بعد 11 أيلول (سبتمبر) مباشرة، "تجاهل بوش نصيحته ودفعها جانباً"، كما كتب ليفلر. ويجادل بأنه لا يوجد دليل على أن وولفويتز أثر بشكل كبير على رؤية بوش للقضية. ويضيف ليفلر أن تصوير "رئيس تنفيذي غافل، يسهل التلاعب به من قبل مستشارين من المحافظين الجدد"، هو ببساطة خطأ. صحيح أن الفكرة القائلة إن الدمقرطة في العراق سيكون لها تأثير إقليمي بنّاء كانت دافعًا معززًا للحرب، وواحدًا قلل ليفلر من شأنه؛ لكن بوش لم يتابع فكرة الترويج للديمقراطية لأن المحافظين الجدد أرادوا ذلك -لقد فعل لأن استراتيجية الولايات المتحدة التقليدية لنزع أنياب بلدان الطغيان المهزومة هي تحويلها إلى ديمقراطيات سلمية. (يُتبع) *هال براندز Hal Brands: باحث أميركي في العلاقات الدولية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وأستاذ هنري أ. كيسنجر البارز للشؤون العالمية في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، وزميل أول وباحث مقيم في معهد أميركان إنتربرايز. عمل مستشارًا مدنيًا في وزارة الدفاع الأميركية من العام 2015 إلى العام 2016. وهو مؤلف مشارك لكتاب "منطقة الخطر: الصراع القادم مع الصين" The Danger Zone: The Coming Conflict With China. *نشر هذا المقال تحت عنوان: Blundering Into Baghdad: The Right—and Wrong—Lessons of the Iraq War [caption id="attachment_1320870" align="alignnone" width="950"] حرائق جراء قصف التحالف الغربي لبغداد ليلة 21 آذار (مارس) 2003 - (أرشيفية)[/caption] اقرأ أيضا في ترجمات
اضافة اعلان