الزغاميم: مناوبتي في البرد وفي الأعياد تشعرني بأني واحد من حماة الوطن

الزغاميم: مناوبتي في البرد وفي الأعياد تشعرني بأني واحد من حماة الوطن
الزغاميم: مناوبتي في البرد وفي الأعياد تشعرني بأني واحد من حماة الوطن

عامل نظافة تحدى ثقافة العيب وتحمل مسؤولياته الأسرية

 

فيصل القطامين

الطفيلة- لم يشأ خالد الزغاميم، عامل النظافة في بلدية الطفيلة الكبرى منذ ست سنوات، أن يمد يده للناس طلبا للمساعدة لإعالة أسرته الكبيرة التي  غيب الموت معيلها الوحيد ليتحدى ويكسر ثقافة العيب فالعمل "مش عيب" بحسب الزغاميم، والمهم ألا يمد يده "طلبا للإحسان أو التعطل على جنبات الطرق" والكسب الحلال، كما يؤكد، وبعرق الجبين من خلال مهنة ينظر اليها البعض في مجتمعنا بنظرة إزدراء.

اضافة اعلان

 

ويقول الزغاميم، الذي يبلغ من العمر 27 عاما، "لقد توفي والدي وترك لي تسعة أخوة" ويشير إلى أنهم لم يجدوا في البداية وسيلة ينفقون من خلالها على أنفسهم حتى باتوا يتساءلون كيف كان والدهم يتدبر أمر مصاريف أسرة كبيرة كما في حالتهم.

هذه الأوضاع المستجدة أرغمت الزغاميم كما يورد، على ترك المدرسة قبل أن ينهي صفه العاشر "لأكون معيلا لأسرتي وفكرت في أي مجال عمل يمكن أن أعمل في ظل وجود بطالة حتى بين المتعلمين من جامعيين وغيرهم من ذوي الشهادات العلمية المختلفة".

في ظل هذه الأوضاع قبل الزغاميم بالأمر الواقع "عامل نظافة عامل نظافة فالعمل ليس عيبا مهما كان، المهم أن يكون بعرق الجبين ومشروعا". رغم نظرة بعض الشباب له بطريقة فيها إنقاص من قدره كما عانى أحيانا، "إلا أنني وجدت متعة كبيرة فيها حيث انها تؤمن لي معاشا بدل الطلب من الناس ومد اليد تسولا أو الانحراف عن جادة الصواب".

ولأنه لا يمكن أن يتحول إلى سارق على سبيل المثال كما يؤكد، أو القيام بأفعال "لا يقبلها خلق أو دين" وترفضها القيم والمعايير السائدة في المجتمع، فقد آثر الحل الذي وإن كان فيه بعض المشقة إلا أنه بحسب الزغاميم يحفظ له كرامته ويمكنه من سد رمق عائلته.

ويصف خالد عمله بالشريف لأنه يتعب ويشقى به كثيرا علاوة على أنه يحقق الكسب الحلال ولقمة العيش النظيفة له ولأفراد أسرته ويقول "لا تهمني النظرة الازدرائية لبعض الشباب لمهنتي ما دامت تتصف بأنها مهنة شريفة".

ويشير الزغاميم الى أنه يتوجه الى عمله ليكون متواجدا في السادسة صباحا ويصف شعوره بأنه شعور جميل أن يكون عضوا نافعا في مجتمعه فهو عندما يقوم بإزالة النفايات يساهم في بناء المجتمع والمحافظة عليه نظيفا لتأمين سلامة وصحة الجميع وعند انتهاء الدوام في الساعة الواحدة يشعر بغبطة كبيرة لأنه ارضى ضميره وعمل بجد وإخلاص وهذا ما يصفه زملاؤه به فصفة الإخلاص في العمل أهم ما يميزه فهو يحب عمله الى درجة التفاني فيه.

ولا يريح الزغاميم منظر بعض من يستهترون بالنظافة ويلقون بنفاياتهم من خلال نوافذ السيارات أو الذين يرمونها خارج الحاويات المخصصة لها ويتمنى عليهم أن يشعروا مع عامل النظافة وان يحافظوا على نظافة بيئتهم ويبدي في هذا السياق تذمرا كبيرا من الناس الذين ينظرون الى هذه المهنة نظرة دونية ويقول لهم "اليد البطالة نجسة" والمهم أن تكون لبنة صالحة من لبنات المجتمع. ويقول خالد تخيل الوضع في حال عدم وجود عمال نظافة وتساءل كيف ستكون النظافة في أي مدينة من دونهم؟

وبالنسبة لمتاعب المهنة، لا يرى الزغاميم فيها أية متاعب رغم أنها تتطلب أحيانا القيام بواجب النظافة في الليل أو في البرد أو في الأعياد حيث يكون الناس مبتهجين في العيد ولكنه يستدرك قائلا "عملي في العيد أو عندما يكون الناس في بيوتهم جراء البرد أو الحر يولد لدي شعورا رائعا كوني أقوم بحمايتهم واسهر على صحتهم". واصفا نفسه في إطار هذه المعادلة بأنه "مثل أي جندي يحرس حدود وطنه ليؤمن لهم الأمن والاستقرار أو كالطبيب الذي يسهر على رعاية مرضاه" إلا إن أكثر ما يزعج الزغاميم نظرة الشباب خصوصا لتلك المهنة وترفعهم عنها مع انها "مثل اي خدمة وطنية".

ويتمنى عامل النظافة الشاب أن يتم تحسين أحوال العاملين بالنظافة من حيث الأجور فهي متواضعة الى جانب تمييزهم بلباس موحد, ويدعو الشباب ومن هم من جيله، خصوصا أولئك الذين لا يجدون عملا، أن يعملوا في مهنته لأنها "مهنة شريفة يمكن أن يخدموا من خلالها مجتمعهم ووطنهم".

ويكشف الزغاميم أنه يساعد والدته في نظافة المنزل وهذا ليس عيبا فالنظافة "من الإيمان" وهي تدل على "رقي المجتمع" وتحضره ليصبح "جزءا من المنظومة الثقافية الراقية".

ويشير الى أن مهنته تعرفه كثيرا بالناس ويكوَّن معهم علاقات اجتماعية حميمة فهم يجتاجونه دائما ولا يستغنون عن وظيفته ابدا.

وينتاب الزغاميم شعور مليء بالرضا عن النفس عندما ينهي دوام يوم حافل بالعمل يشعره بأنه حقق شيئا مهما لوطنه وبأنه إنسان فاعل وإيجابي ويسهم في بناء المجتمع بعمله الشريف الذي يراه عظيما وكبيرا.