الزمان في الفكر الديني والفلسفي وفلسفة العلم

الزمان في الفكر الديني والفلسفي وفلسفة العلم
الزمان في الفكر الديني والفلسفي وفلسفة العلم

 زياد العناني

   يرى الباحث حسام الالوسي في كتابه "الزمان في الفكر الديني والفلسفي وفلسفة العلم الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ان فكرة الزمان او الاحساس بالزمان بالمعنى الذي يتفق عليه الناس في استعمالهم العادي لا يحتاج الى بيان او ايضاح تماماً مثل فكرة الوجود نفسه او المكان ، مشيراً الى ان هذا ما نبه عليه بعض الفلاسفة المثبتين لحقيقته ووجوده لافتاً الى انه حالما يتنقل الانسان من طور المعرفة العادية والاستعمال اليومي الشائع الى معناه وراء ذلك.

اضافة اعلان

   ويشير الالوسي الى ان ما يزيد الامر اشكالاً ان مبحث الزمن قد دخل في مباحث عديدة ميتافزيقية وطبيعية ونفسية بحيث يجد الباحث نفسه لا يؤرخ لموضوع الزمان في الفترة التي يدرسها فقط بل لموضوعات اخرى كالحركة والعلاقة بين الزمان والوجود وكذلك الزمان والنفس او الوعي وازلية او لا ازلية الزمان ويسعى الالوسي في كتابه الى تقديم صورة شاملة ودقيقة عن كيف فهم الفلاسفة القدامى منذ اليونان وفترة العصور الوسطى المشكلة وتعلقاتها دون ان يغفل التعامل مع المسألة تاريخياً بمعنى ظهور المذاهب تاريخياً ونقطة الانطلاق والتعاقب بينهما كأي نشاط بشري عندما يكون جزءاً من تاريخ او حضارة لافتاً الى ان مشاكل الفلسفة ليست خارجة عن حدود الزمان والمكان والعملية التاريخية التي تجعل الحضارات تنمو والمعرفة تتراكم والخبرة تزيد نتيجة قوانين معينة منها الخطأ والصواب ، مشيراً الى انه يستطيع اي مفكر او فكرة تظهر في اي زمان او مكان دون اعتبار للزمان او المكان او درجه لمشكلة فلسفية والحلول المطروحة لها ذلك انه بينما يكون منطقياً ان نجد هذا الحل او ذاك يجب ان يظهر مرة اخرى طالما انه امتحن وحذف في سلسلة الفروض والحلول- اي انه تجاوزته مذاهب وحلول بعده وضعته في الحساب سلباً او ايجاباً.

   ويتطرق الالوسي الى المعنى الديني للزمان في الاديان الثلاثة الكبرى (اليهودية والمسيحية والاسلام) مشيراً الى ان المعنى الديني للزمان ومتعلقاته هو الاخر متأثر بالمعنى اللغوي اذ ان معاملة الكتب المقدس الثلاثة لهذا الموضوع تحتمل تفسيرات عدة مبيناً انه وبما ان معالجة الزمان هنا معالجة دينية فإن المشاكل اللاهوتية احتلت المكانة الاولى ومن الممكن تركيز القضايا الرئيسية التي فهمت من خلالها تلك النصوص وهي: الله والزمان وهل الله في زمان ام مع الزمان ام قبل الزمان ام هو لا زماني? والله والعالم: وهل كان الله وحده? ام معه مادة او عالم وهل بينه وبين العالم زمان وما نوع سبق الله للعالم اهو زماني ام من نوع اخر ولماذا اختار الله زماناً بعينه اوجد فيه العالم وما معنى الزمان: اليوم والليل والنهار قبل وجود الزمان الشمسي او الذي ابتدأ مع بداية العالم وحركته ولماذا اوجده في ستة ايام? وهل للعالم ولزمانه نهاية?

   ويعتبر الالوسي ان نصوص الكتب المقدسة لم تعالج كل هذه المسائل وان المشكلة هنا مشكلة ان ما حدث بالفعل هو ان اتباع هذه الاديان على اختلاف مذاهبهم حاولوا ان يجدوا في تلك النصوص ما يؤيد مذاهبهم في هذه المسائل وليس بإمكان الباحث ان يؤكد ان ما استنتجوه من معان لهذه النصوص هو بالفعل معانيها الاصلية وان تلك الاستنتاجات ليست اجتهادات وتأويلات تعكس وجهة نظر صاحب المذهب اكثر مما تعكس وجهة نظر النص الديني نفسه.

كما يعتبر الالوسي ان الاسئلة اللاهوتية والفلسفية تعكس تطوراً لاحقاً اجتمعت على تكوينه جملة عوامل وبالتالي تشكل معالجات وتقدم حلولاً مستقلة وقائمة بذاتها اكثر مما تعكس موقف الكتب المقدسة نفسها.

ويعرض الالوسي لنصوص الزمان المتعلقة بالتوراة والانجيل ومستنتجاً انه يجب التنبيه ابتداء الى ان سفر التكوين هو اهم نص في نصوص اليهودية والمسيحية يتعلق بمشكلة اصل العالم ومشكلة الزمن بإجماع المعنيين.

   كما يعرض الالوسي للقرآن والحديث وللنصوص التي تتعلق بشيئين: نصوص عن اصل العالم وكيف وجد من مادة ام من عدم? واخرى تتعلق بفكرة الزمان او اليوم وهل الله له زمان ام ماذا? لافتاً الى ان النصوص الاولى ضرورية حتى نتبين كيف اثيرت مشكلة وجود الله ووجود العالم وبالتالي يسهل الوصول الى تصور القرآن للزمنية واللازمنية وبدء الزمان ام عدم بدايته وهي "وهو الذي خلق السموات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء ليبلوكم ايكم احسن عملاً"وفي الحديث "ان الله كان قبل كل شيء" مستنتجاً ان القرآن يعلم الخلق من لا شيء وابتداء من الزمن بينما الله ازلى ولا بداية له خلق الاشياء من عدم نسبي او مادة غير متعينة بمعنى "المعدوم" عند المعتزلة.