الزميلة غنيمات.. من "الغد" إلى وزارة الإعلام

رسم بورتريه للزميلة جمانة غنيمات بريشة الزميل ناصر الجعفري - (الغد)
رسم بورتريه للزميلة جمانة غنيمات بريشة الزميل ناصر الجعفري - (الغد)

عمان- الغد- دخلتْ إلى الحكومة، قادمةً من الصحافةِ، المِهنة التي أمضتْ بها زُهاء عشرين عاما، ومنحتها الكثير من الوقت والجهد والتضحية، ظلت خلالها متشبثة بقناعاتها وأفكارها.اضافة اعلان
الزميلة جمانة غنيمات؛ وزيرة الإعلام في حكومة الدكتور عمر الرزاز التي بدأت أداء مهامها أمس، غادرت بيتها "الغد"، بعد 10 أعوام قضتها في الصحيفة، وبعد أن أرستْ كثيرا من التقاليد داخل المؤسسة التي أحبّتها، بحسب ناشر الصحيفة محمد خالد عليان، الذي أكد أنها منحت "الغد" جهدها وفكرها، لكي تصل بالصحيفة إلى الموقع الذي تتبوأه اليوم. وشدد على أن "الغد" كانت محظوظة في عمل غنيمات التي انتقلت اليوم إلى دائرة أوسع تستطيع من خلالها أن تسهم في خدمة الأردن جميعه، والعمل على رفع شأن قطاع الإعلام.
تؤمن أن الإعلام سلطة رابعة حقيقية، ينبغي أن ينطلق في عمله من المصلحة العامة التي لا بد أن تكون واضحة لدى الجميع، كما ينبغي عليه أن يمارس الرقابة على السلطات الثلاث الأخرى، بالإضافة إلى دوره في عملية التنوير.
مع بداية العام 2012، تسلمتْ رئاسةَ تحرير "الغد"، لتكون سادسَ رئيسِ تحريرٍ للصحيفة التي انطلقتْ صيفَ العام 2004. وتقول في شهادةٍ سابقةٍ لها حول مشوارها المهني "إنها كانت النقلةَ الأهمَّ بالنسبة لحياتي المهنية".
خلال رئاستها تحرير الصحيفة، تبين أن الجهد الأكبر الذي بذلته كان باتجاه "الدفاع عن استقلالية المؤسسة، وعدمِ جرها إلى صراع السلطة والمعارضة، وعدم السماح بتجييرها لمصلحة أيِّ جهة"، خصوصا أن "التغييرات في الحكومة وفي مؤسسات الدولة المختلفة تلقي بظلالها دائماً على عمل الإعلام"، بحسبها، فـ"التعامل لا يتمّ بشكل مؤسسي بل ينطلق من تقبّل المسؤول لفكرة حرية الإعلام وللسقف الذي يضعه له في خياله".
بعد سبعة أعوام في موقع رئيسة تحرير "الغد"، ترى أن "أكثر ما قمنا به؛ زملائي وأنا، هو الدفاع عن حرية الإعلام، وتكريس خط فاصل بين التحليل المنطقي أو "التطبيل"، وبين النقد البناء أو الهدم والتجريح".
في العام 1999، بدأت غنيمات عملها في الصحافة بالدائرة الاقتصادية في جريدة "الرأي". حينها كان العالمُ يتأهّب لدخول ألفية جديدة تاركا وراءه كل خطايا العالم الأول؛ السياسية والاقتصادية، وكان جدل العولمة يتصاعد منذرا بأثمان إضافية ستدفعها الدول الضعيفة، وعلى جميع الأصعدة؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كانت "الرأي" المنبر الأهم في الأردن، فيما غنيمات امتلكت تصوراتها الخاصة عن هذه المهنة التي كان كثيرون يرون فيها "وظيفة". انطلقت في تصوراتها الأولى للمهنة على أنها قيمة إضافية لها، يجب أن تتعلم منها كثيرا على الصعيد الشخصي والسلوكي والمعرفي، كما ينبغي أن تكون، هي نفسها، قيمة مضافة للذين يحتاجونها أن تكون في هذا المكان.
كانت الصحافة الاقتصادية، حينها، تعتمد في معظمها على تصريحات الجانب الرسمي، وعلى أخبار المال والشركات والاستثمار، وبعض التحليلات والمقالات. والغائب الأكبر عن هذا المجال هو الفرد العادي الذي تنعكس جميع الأرقام والإخبارات على حياته اليومية، خصوصا أن الأردن كان يخضع حينها لبرنامج تصحيح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي.
في تلك الفترة، بدأت ملامح ما يمكن تسميته "أنسنة الاقتصاد" أو "الاقتصاد الاجتماعي" بالظهور في الصحافة والثقافة في الأردن. كان الأمر مهما لها وهي تكتشف الطريق التي كانت تبحث عنها، فمن خلال انحيازها إلى الطبقات الفقيرة والمهمّشة والمجتمعات الأقل رعاية، بدأت ترتّبُ عالَمها في هذه المهنة.
مع مرور الوقت، أصبح لديها ما يمكن تسميته "أجندة شخصية" تتمثل في تقريب المفاهيم والمصطلحات الاقتصادية إلى فهم الناس، وتعريفهم بحقوقهم الاقتصادية. كما امتلكت مجموعة كبيرة من الملفات الخاصة بأرقام الفقراء والمهمشين والمتعطلين، وأماكن تواجدهم، ونسب الذكور والإناث، ومشاركة المرأة الاقتصادية والسياسية، إلى غير ذلك الملفات التي كانت محور اهتمامها الصحفي والإنساني.
تلك الفترة استمرت زهاء سبعة أعوام، نجحت خلالها في لفت الانتباه إلى نوعية المادة الصحفية التي تقدمها. وقتها أيضا، بدأت بكتابة أولى مقالاتها، وهي مقالات ليست اقتصادية بحتة، بل هي اجتماعية وإنسانية، وأحيانا ذاتية، فالتدرب على الكتابة وإظهارها إلى العلن عن طريق النشر أمر مهم وحاسم من أجل تطوير الكاتب لمهاراته وأدواته.
في العام 2006، عرض عليها العمل في واحدة من أهم الصحف التي صدرت في الأردن، وهي صحيفة "السجل" الأردنية، بالإضافة إلى عملها في "الرأي". كانت التجربة مغرية مع اثنين من الأساتذة الكبار؛ د. مصطفى الحمارنة وجورج حواتمة. لذلك قبلت العرض بلا تردد.
غنيمات ترى أن أهمية العمل في "السجل" تكمن بأكثر من وجه؛ فهي اعتمدت الصحافة التفسيرية والتحليلية والاستقصائية، ومارست النقد البناء الذي يعلي من شأن الإنجاز، وينبه إلى الهفوات والأخطاء. في تلك الصحيفة التي كانت تصدر على أساس أسبوعي، والتي كانت تدار من قبل فريق صغير محترف، "تعرفنا، زملائي وأنا، وللمرة الأولى على مفهوم الصحافة الديمقراطية"، وهي الصحافة التي لا تكون رسمية ولا معارضة، بل هي صحافة تحتفي بالمنجز والتخطيط السليم، وتنتقد العبث السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حتى لو وقفت في سبيل ذلك ضد الجهات التي ترفع شعار المعارضة.
وتبين أن المفهوم السائد في الصحافة الأردنية، حينها، كان يعتبر الوقوف مع المعارضة وقوفا إلى الجانب الصحيح، بينما الوقوف مع الدولة سيثير حولك كثيرا من علامات الاستفهام. "لكن هذه الصحيفة، بكادرها القليل وعدد صفحاتها الكثيرة، استطاعت أن تخلخل هذا المفهوم، وأن تعيد رسم الطريق باتجاه المصلحة العامة، والتي لا تعني بالضرورة أن تكون مع أحد، سوى ما يقوله منطق الأمور".
في أواخر 2008، تؤكد أنها اتخذت القرار الأهم في حياتها، وهو مغادرة "الرأي"، والانضمام لأسرة "الغد" كمديرة للدائرة الاقتصادية. في تلك الفترة كانت تدرك تماما ماذا تريد من الصحافة، وما هي الصحافة التي يريدها الناس، لذلك عملت مع فريقها على تجذير مفهوم "الأنسنة" مركّزين على الاقتصاد الاجتماعي الذي يهم الأفراد العاديين. وبدأت بكتابة عدد من المقالات الأسبوعية التي ركزت فيها على الفقر والبطالة وواقع المرأة، ومساهمتها السياسية والاقتصادية، ومدى عدالة تمثيلها في الوظائف العليا في الدولة ودوائر صنع القرار المختلفة.
بعد أكثر من عقد على دخولها عالم الصحافة، لا شك أن الملفات التي عملت عليها، جعلت منها خبيرة في المجال الاقتصادي، فبدأت بالمشاركة في المؤتمرات الاقتصادية، واللجان المتخصصة، كما عمدت إلى تمرير الخبرات المتراكمة التي تأتت على مدى السنوات إلى صحفيين جدد من خلال فريقها، أو من خلال عقد دورات متخصصة في التدريب على الصحافة الاقتصادية.
غادرت غنيمات موقعها رئيسةً لتحرير "الغد" وهي تعتقد جازمةً أنه "ما تزال معركتنا مع حرية الصحافة والسقف قائمة، ومحاولاتنا أيضا تتكرر لوضع تعريف محدد للمفهوم المطاط "المصلحة العامة" الذي يستطيع مصادرة الحريات، وما يزال الجدل قائما مع أكثر من جهة حول إمكانيات احتكار الحقيقة في هذا العالم المعولم!".