الزوجة أكبر عمرا.. هل يؤثر على الشريكين ويضعهما تحت مجهر التنمر؟

Untitled-1
Untitled-1

ديمة محبوبة

عمان- حفل في أحد الفنادق الفخمة، ديكورات جميلة، إضاءة ساحرة، دفء القاعة يغطي على برد شهر كانون الأول (ديسمبر).
تدخل العروس بأناقة متناهية، تمسك باقة من الورد البنفسجي، تسير بخطوات متثاقلة، تشعر بالخوف، متوترة، تتعثر بفستانها الأنيق، تنظر إلى زوجها بحب، ورهبة، وقبل أن تصل إليه، بثوان، اقتربت إحدى الحاضرات وهمست في أذنها، "إن شاء الله انبسطت وأنت ماخذة حدا أصغر منك بكثير".

اضافة اعلان


هذه الحادثة حصلت حقيقة في حفل زفاف عمر ورزان، اللذين تزوجا بعد مد وجزر، وإصرار شديد بينهما، فرزان أكبر من عمر بـ9 أعوام، لكن اليوم وبعد مرور 3 أعوام على زفافهما، وعلى الرغم من كل التحديات، إلا أنها يجدان القرار حكيما، فما عمر إلا الرفيق والسند والزوج الذي تحلم به كل فتاة، وما رزان إلا الأم والصديقة والزوجة ورفيقة الدرب، إلا أنهما ما يزالان يشعران بأن العائلات خائفة من أي ردة فعل، وشعور بالندم، من اكتشاف أنهما على خطأ بعد فترة من الزمن.


مجتمعات عربية ما تزال تجد زواج الشاب من فتاة بمثل عمره وأكبر، وكأنها جريمة، فتلاحقهم أعين الأقارب والمجتمع، وقد يجد الزوج أو الزوجة نفسيهما في موقع الدفاع، والتعرض للتنمر بسبب ذلك.


يقول عمر (30 عاما)، الذي تزوج من رزان التي تكبره بـ9 أعوام، إن نيته للزواج منها سبب "حربا" بين عائلتيهما، إذ تعرف عليها في إحدى المناسبات الرسمية، وكانت ضمن الضيوف المدعوين، فجلس إلى جانبها وتبادلا العديد من الأحاديث، وكان بينهما انسجام تام بطريقة التفكير، طلب منها رقم هاتفها، واستمرا بالتواصل إلى أن وقعا في الحب وقررا الارتباط.

تقول رزان "كان صعبا مفاتحة عائلتي بتقدم شاب يصغرني بـ9 أعوام، وعندما أخبرتهم بهذا النبأ كانت الصدمة على وجوههم جميعا، ولم يتقبلوا الأمر خوفا على مصلحتي، وأن تكون علاقة عابرة، خصوصا أن الفتاة تكبر قبل الشاب في الشكل والجسم وطبيعته، وأن الشاب يحبها الآن، لكن مع تقدم العمر وشعوره بفارق السن، سيفكر بالانسحاب، ويكسر قلبي".


وضع عمر لم يكن أفضل حالا، فأول ردة فعل لوالدته أنها قالت "لا" وأنهت الجلسة من دون نقاش، أما والده فقرر أن يتحدث معه بالعقل، وأن ما يشعر به اليوم هو فقط بمثابة نزوة وفورة مشاعر، وأن الفتاة التي تكبره بهذا العمر من الممكن أن تواجهها مشاكل في الحمل والولادة، وأن السيدات يكبرن ويهرمن قبل الرجل، واليوم لا يشعر بذلك لكن في القريب العاجل سيشعر ويندم".


عمر ورزان واصلا مشوار الحياة الزوجية، متغلبين على نظرة المجتمع التي ما يزال يشوبها الفضول والقلق نحو هذا الزواج، والبعض الآخر لم يحتمل وتم الانفصال، بعد أن حطمته نظرات الآخرين الذين يرون في مثل هذا النوع من الزواج أنه يرتبط بمصالح أو مطامع أو أنه تم لإخفاء عيوب في أحد الزوجين.


اختصاصي علم الاجتماع د.حسين خزاعي، يؤكد أن من يرفض هذا الزواج، "المجتمعات والعقول المتحجرة وليست الأديان، إذ إن الدين الإسلامي لم يحرم زواج المرأة الكبيرة في العمر ممن هو أصغر منها، لكن الدين حث على تكافؤ العمر، والفرص الاجتماعية والثقافية، ليكون هناك انسجام، بغض النظر من هو الأكبر أو الأصغر".
ويضيف خزاعي "لا بد من ضرورة وجود التكافؤ والتقارب بين الزوجين في النواحي الأخرى الاجتماعية والثقافية حتى لا يؤدي الفارق الشاسع إلى الانشقاق والعزلة الشعورية بينهما".
علا تزوجت من ابن خالتها الذي يصغرها بأربعة أعوام، بعد قصة حب طفولية كانت العائلات تضحك عليها، ويعتقدون أنها ستنتهي عند الكبر وأن ما بينهما من تقارب فكري وعلاقة مرحة ما هو إلا صداقة الأقارب، لكن النظرة اختلفت وبدأ القلق بعد أن صارح محمد أهله برغبته في الزواج من علا، حتى أن خالتها كانت أول الرافضين لهذا النبأ.

لكن مع إصرارهما على تحقيق هذه الرغبة المشتركة واتفاقهما على التصريح بأن حياتهما لا يمكن أن تكمل بلا الشخص المقابل، فيقول محمد "سن الزوج أو الزوجة لا يمكن أن يمثل عائقا في الوقت الحالي، وليس عيبا أن يتزوج الرجل بامرأة تكبره بالعمر، طالما بينهما التفاهم والانسجام والحب".


ويؤكد أن في حياتهما اليوم تجارب تدعم قرارهما، وأثبتا أن الحب والتفاهم والزواج لا يمكن أن يوقفهما العمر، وأن الكثير من التجارب الموجودة في المجتمع لعائلات انهار زواجها رغم أن الرجل هو الذي يكبر المرأة وبأعمار مثالية.
وفي المقابل، ترفض سارة الزواج من شخص يصغرها لقناعات أخذت من مجتمعها وأولها أن المرأة تكبر قبل الرجل، وستكون النظرة جارحة من أفراد المجتمع عليهما ولن يدعهما وشأنهما وستكون الحياة كالجحيم.

هذه الأفكار كانت مسيطرة على حياتها قبل أن تتعرف على رأفت، في عملها، ويصبح شريكها في مكتب المحاماة الذي تعمل به، فهي تكبره بـ4 أعوام، وعندما صارحها بمشاعره، رفضته، وامتنعت الحديث معه مدة، ثم اكتشفت حبها له، والأهم تعلقه وإصراه بأن العمر لا يمكن أن يقف بوجههما وما هو إلا مجرد رقم.


واليوم هما متزوجان منذ أكثر من 7 أعوام، ولم تواجه نقدا شديدا، إلا أنها أيضا تسأل كثيرا على علاقتها بزوجها وهل هناك مشاكل سببها فارق العمر أو أنها شعرت بأنه اختلف معها أو يتحدث بفارق عمرهما، حتى أنها تشعر في الكثير من الأحيان بأنها هي التي تصغره في العمر والسبب شخصية ورجاحة عقله ومسؤوليته تجاهها وتجاه أطفالهما.

خزاعي، يذهب إلى أن اتباع العادات الاجتماعية أمر جميل، لكن رجاحة العقل هي الأجمل وهي التي تبني المجتمعات.


ويذهب اختصاصي علم النفس موسى مطارنة، إلى أن الثقافة المجتمعية لها انعكاسات سلبية، وما كان يصلح لزمن ما قد لا يصلح لهذا الزمن، إذ اختلفت الظروف وتغيرت العادات والرؤى.

ويبقى العمر، وفق مطارنة، مجرد رقم فقط، ولا تقاس من خلاله الأشياء، المهم هو التفاعل الحياتي والاجتماعي ومدى الانسجام والتفاهم الإنساني والعقلي والروحي بين الزوجين، والكفاءة الثقافية، والعمق، هذه الاعتبارات هي التي تأخذ بعين الاعتبار عند الزواج وليس غيرها، فهنالك حالات كثيرة لعلاقات زوجية ناجحة كلها حب واحترام ومودة، والزوجة تكون الأكبر عمرا.


إلى ذلك، يبين مطارنة أن الثقافة المجتمعية وتنمر أهل الشاب عليه عندما يقرر الزواج بمن هي أصغر منه، هذا يعود الى مدى قناعة الاثنين بالزواج، فعليه أن لا يتأثر بكلام الآخرين، خصوصا أن الجميع في البدايات يتكلم، من ثم يتراجعون عن الأحاديث والتدخل.


لذا، تكمن الأهمية بقناعة الزوجين بقراراتهما، وفق مطارنة، من دون الالتفات للآخرين، وأن يكون لديهما القوة في عدم السماح لأي أحد بالتدخل. فلكل إنسان رؤيته وقناعاته، وهو فقط صاحب القرار بحياته وزواجه.