الزيتون والحراك العام ومكتبة الأسرة

 

ثمة ثلاث مسائل تناولها الزملاء الكتاب يوم العيد لعلها مرتبطة ببعضها على نحو ما، سليمان قبيلات ينعى انحسار الزيتون كونه موردا أساسيا وانحسار الزراعة ورمزيتها في العلاقة بالمكان والحياة والثقافة وتهميش الريف، وجهاد المحيسن يعتقد أن حراك الأقاليم التعليمي والعام نشط ومشاركتها الفاعلة والمجتمعية المتفوقة على عمان والزرقاء، وسامر خير يلاحظ أن مكتبة الأسرة حظيت بإقبال مجتمعي كبير (في المركز والأطراف) وذلك يعني نجاحا في اختيار العناوين الملائمة، ويعني أيضا ان المجتمع مقبل على اقتناء الكتب.

اضافة اعلان

إقبال المجتمع في المركز وفي الأطراف على اقتناء الكتب يدل على حراك ثقافي، ويفترض أن يؤشر أيضا على مستوى تعليمي جيد وعلى منهج ناجح للحياة وتنظيم الموارد، ولكن الحالة ليست كذلك، ولا يصلح لفهمها فهما صحيحا ملاحظة العلاقة بين الإقبال على اقتناء الكتب وبين فاعلية المجتمعات وحراكها الثقافي والعام، فالزيتون، والزراعة بعامة، ينحسر انحسارا كبيرا عن موارد الناس وأسلوب حياتهم، وذلك يعني بالضرورة سلسلة من التداعيات والتحولات الكبرى، الكثير منها إن لم يكن معظمها كارثي، مثل الهجرة إلى العاصمة (وليس إلى المدن)، فالمدن الأخرى تحولت إلى أرياف وقفار طاردة لسكانها، ولم يعد ثمة فرص إلا في العاصمة، وارتباك وربما انهيار سلسلة التجديد والنمو في الموارد، فالزراعة بداية لسلسلة التقدم ونهايتها أيضا التي تؤول إليها العملية الاقتصادية والتنموية، فحول الزراعة يفترض أن  تنشأ الصناعات الغذائية والملابس ومواد البناء والأثاث والدواء والسياحة، وهذه الحلقة تؤدي إلى أنظمة اقتصادية وسياسية تنظم الموارد والصناعات وتعظمها وتنشئ التجارة والتسويق والتعليم المتقدم والمهن والأعمال، وذلك ينشئ ثقافة وفنونا وأساليب للحياة والسلوك الاجتماعي والثقافي تنشئ القيم والإبداع والخيال والجمال الذي يزيد من الموارد ويحافظ عليها ويحولها إلى منتجات وسلع تبلغ قيمتها أضعافا مضاعفة. الخشب مثلا تنتجه الغابة في المرحلة الأولى، ولكنه بالفنون الجميلة والخيال والإبداع يتحول إلى أثاث راق عظيم القيمة، ومواد للبناء تقلل تكاليف العمارة وتجعلها أسهل وأكثر ملاءمة لأغراض الرفاه والتدفئة والتبريد، وهكذا...

ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، التعليم المتقدم لم ينشئ مهنا وحرفا متقدمة ومنافسة تعظم الموارد والتجارة، وتحول الموارد الخام والمهارات والمعارف إلى سلع واقتصاد مزدهر، ولم تنشئ الثقافة السائدة أسلوبا للحياة يجلعها أفضل، أو يعود على الموارد الأساسية بالتنمية والازدهار، الريف المقبل على التعليم والانتخابات والمشاركة العامة لم ينشئ مجتمعات فاعلة مزدهرة، ولم ينعكس على الزراعة والأرض بالتقدم والنماء، والمركز الخاوي سياسيا واجتماعيا وثقافيا ما يزال يستقطب جميع السكان ويتحول إلى الدولة وما عداه ففقر وفراغ، فأين الخلل؟