الساعاتي أبو الزلف: أخشى زوال هذه المهنة فهي صورة مشرقة من الذاكرة

الساعاتي ماهر جوروج أبو الزلف- (الغد)
الساعاتي ماهر جوروج أبو الزلف- (الغد)
أحمد الشوابكة مادبا- يحترف الأربعيني ماهر جورج أبوالزلف منذ أكثر من ثلاثين عاما، في محله القابع في وسط سوق مادبا التجاري القديم، مهنة تصليح الساعات التي تعلمها على يد والده بعد مجيئه من مدينة عين كارم في فلسطين قبل نحو ستين عاماً. وما يزال أبوالزلف متعلقاً بمهنة "تصليح الساعات"، رغم مرور السنين عليه، فهي علمته الصبر وقوة التحمل والدقة واحترام الوقت والجلوس لساعات طويلة، وهو مشدود الأعصاب ومشغول الذهن، كما أنها من المهن اليدوية الدقيقة جداً. ويقول "أنشأ والدي محلا صغيراً في سوق مادبا القديم في وسط مدينة مادبا، منذ أكثر من ثلاثين عاما؛ لأعمل به في مجال تصليح الساعات وبيع الهدايا والإكسسوارات". ويؤكد أنه ما يزال يمتهن هذه الصنعة التي يقتات منها، ويحصل على لقمة عيشه ويعيل أسرته بفضلها، مشيرا إلى أن هذه المهنة رغم قدمها تشهد حداثة في الأدوات المستعملة في الصيانة. وتعد الساعة عالماً جميلاً لأبوالزلف؛ حيث يقوم بتركيبها بدقة متناهية، ليستطيع الخوض في غمار تلك المحركات لتشخيص أعطالها، ليضيف عليها جمالية مطلقة عبر الترتيب وضبط أجزائها بعناية كبيرة، وليعيد الحياة إلى الساعة من جديد، ويقضي وقتاً طويلاً في محله دون أن يشعر بالتعب، فهو يجد راحته بأن يتفحص الساعات المعطلة، ويحاول تصليحها وإعادة روح الدقات إليها، وفق ما ذكر. وينوه إلى أن عمله كان في السابق يستغرق منه وقتاً وجهداً كبيرين، ويعتمد في الصيانة على مفك وملقط وعدسة، وبات اليوم بفضل الأدوات والتقنيات الحديثة لا يتطلب منه تصليح الساعات سوى بضع ثوان. ويقول أبوالزلف إن مهنة تصليح الساعات ليست سهلة، فهي تحتاج إلى دراية تامة بمعرفة قطع الساعات، موضحا "وهذا يتطلب مثابرة وجهداً وتركيزاً ودقة". ويضيف "مضى على مزاولتي هذه المهنة أكثر من ثلاثين عاما". وعن عمله في تصليح الساعات، يقول "في العام 1990 وجدت نفسي مضطراً للعمل مع والدي في هذه المهنة، كي تساعدني على متطلبات حياتي وإثبات الذات، بدلا من الانضمام لصفوف المتعطلين عن العمل"، موضحاً أن والده تعلم المهنة من الساعاتي "جليل الصفدي الذي ترك المهنة منذ ثلاثين عاماً بعد أن شد رحاله وأسرته متوجها إلى الولايات المتحدة الأميركية، وبقيت أتعلم المهنة وأخطو فيها لمدة تجاوزت العام، إلى أن تعلمتها بإتقان، وأنا أعمل في المحل لبيع الهدايا وألعاب الأطفال، وخصصت جزءا منه للتصليح". ويتابع "إن هذه المهنة أخذت تزدهر الآن أكثر من السابق، لأن الماركات الموجودة من الساعات في الوقت الحاضر كلها رديئة ومقلدة وغير أصلية، وبالتالي فهي عرضة للتوقف باستمرار. ويقول أبوالزلف "إن عملية تصليح الساعات لا تحتاج سوى إلى عدة بسيطة للعمل، وهي متوفرة في السوق المحلية، ويمكن بواسطتها تصليح ثلاثة أنواع من الساعات، هي اليدوية على اختلاف ماركاتها، والساعات المنضدية والجدارية، وإن أفضل تصليح يكون للساعات المنضدية، لأن أدواتها كبيرة، ويمكن أن يراها الساعاتي دون الحاجة إلى العدسة المكبرة، وبذلك لن يضعف بصره بسبب عمله في تصليح الساعات اليدوية التي تحتوي على أجزاء صغيرة الحجم، وفي الواقع فإن غالبية الساعاتية يعانون ضعف البصر نتيجة استمرارهم بهذه المهنة". ويضيف أن العدة التي يستخدمها بسيطة وتتضمن الملقط الذي يطلق عليه "الجفت"، وهو يستخدم لمسك أجزاء الساعة الصغيرة ورفعها أو إعادتها إلى مكانها، وهناك جهاز فتح غطاء الساعة، وهذا يستخدم فقط في الساعات اليدوية ويسمى "فخ"، إضافة إلى المفك أو ما يسمى "الدرنفيس" وهو بأنواع عدة منها المعتدل والمربع والمثلث، كما أنها بأحجام عدة أيضا، وكلها تكون صغيرة جداً. ويقول "نستخدم في العمل فرشاة للتنظيف وجهار "الأفوميتر" لقياس قدرة البطارية والملف، ويستخدم "الأفوميتر" لفحص تكامل الدائرة الإلكترونية بالنسبة لساعات الكوارتز، كما نستخدم "الكوسرة" لقطع الزجاج، فحين يأتي أحدهم وتكون الزجاجة الواقية لساعته قد تكسرت، من الممكن أن نعمل له زجاجة واقية بالمواصفات نفسها، وهناك "الجاكس"، الذي يستخدم لفتح مسمار تثبيت سير الساعة، إضافة إلى لاصق "الأمير" والصمغ أو السيكوتين الاعتيادي لتثبيت المينة "وجه الساعة أو الأرقام"". ويؤكد أبوالزلف "أصبحت الآن أكثر خبرة، ومعنى ذلك أن الساعاتي مثلما يستطيع إيقاف الزمن والتلاعب به عند مسكه للساعة، فهو أيضاً يمكن أن يجعل زمن الآخرين بين يديه". واختتم أبوالزلف حديثة، بالقول "مهنة الساعاتي أكلت من عمري ثلاثين عاماً، ما أخشاه هو اندثار هذه المهنة كبقية المهن التي اندثرت"، داعيا إلى المحافظة على هذه المهنة التي هي جزء من ذاكرة مدينة مادبا.اضافة اعلان