الساعات

 

تنتشر على جدران بيتي وفوق الطاولات المختلفة فيه، عشرات الساعات؛ اشكال متنوعة، واحجام مختلفة.

أنى وجهت وجهي ألمح ساعة ما يتسرب الوقت من بين ثناياها كخزان يفرغ ماءه على ارض بور.

اضافة اعلان

أشعر ان سنوات عديدة فاتتني من دون ان ألاحظ ذلك المتسرب من بين أصابعي. لا شك أن أفضل طريقة لتكريس الانتباه تكون بالعيش بين أكوام من الساعات التي "تتكتك" على مرّ الثواني والدقائق.

زوجتي تكره تلك الساعات. تقول انها تشعرنا على الدوام بأن الوقت يمضي، وان نهاية الحياة قادمة لا محالة.

غير أني لا اكرهها، كما انني لا اجيبها. كل ما في الأمر أنني اعتدتها حد التوحد مع "تكاتها المتتالية". فضلا عن انني امتلك فكرة مغايرة تماما لما تظنه زوجتي عن "خزانات الوقت" تلك.

مراقبة الساعات واختبار "بهجة" مرور الوقت يمنحانا شعورا بالاستمرارية. إنه شعور بأننا ما نزال نختبر الزمن الغامض الذي تم قذفنا في أتونه، وندرك بالتالي انه لم يتوقف عن الجريان من حولنا.

"نحن نختبر مرور الوقت.. اذا فنحن أحياء"، ربما هذا ما كان سيقوله "ديكارت" لو استغرق في كنه فلسفة اختبار مرور الوقت، بدلا من جملته الجوفاء "انا افكر، اذا فأنا موجود".

الساعات الكثيرة التي تواجهني طيلة فترة مكوثي في البيت تشعرني، غالبا، بالطمأنينة. إنها تمنحني شعورا بالارتياح، حتى انني ألفت ضجيج عقاربها التي تصدر أصواتا شتى.

اعترف ان تجميع ذلك العدد الكبير من تلك الماكنات الدقيقة قد استغرقني زمنا طويلا امتد على مدار سنوات وسنوات، من دون ان افكر ولو لمرة واحدة لماذا اجهد نفسي في تجميعها.

اعترف كذلك بأنها هواية مكلفة، فتخصيص ميزانية شهرية معينة لشراء الساعات، ليس بالأمر السهل في ظل ما نعيشه من تراجع خيارات الترفيه امام تعاظم المتطلبات اليومية واستشرائها.

غير انني نادرا ما استطعت مقاومة شراء احدى تلك الساعات "البهيجة" خلال جولاتي الكثيرة على معارضها وبسطاتها. أشعر بقوة مسيطرة تدفعني الى اقتنائها، والعودة سريعا الى البيت لأرى أي ركن مناسب يصلح لجلوسها الطويل.

ربما كل ذلك يعبر عن حيوات مؤجلة مقبلة.. او ربما يعبر اكثر عن حيوات لم نحسن انتهازها.

ولكن الساعات تبقى في اماكنها، وتدندن بألحانها الرتيبة على مدار الثواني، لتعلن أننا ما نزال نختبر الحياة.

[email protected]