السباحة في شوارع عمان!

لم تكن الثلوج قد تساقطت أو تراكمت؛ مجرد أمطار غزيرة لعدة ساعات، نشهد مثلها وأشد في كل شتاء. مع ذلك، كانت "زخات" أول من أمس كفيلة بإغلاق أنفاق عمان، وإغراق معظم شوارعها الرئيسة. المناهل تحولت إلى نوافير، والتقاطعات أصبحت بركا عملاقة لا تميز معها الاتجاهات. في غضون ساعات قليلة، شلّت الأمطار حركة السير في العاصمة، وتحولت شوارعها بحرا تسبح فيه مئات السيارات. وإذا كنت من أصحاب الحظ السعيد وأفلتّ من مناطق الأزمة، فإن سيارتك مهددة في أي لحظة بالسقوط في منهل فاض بالمياه، أو في حفرة صارت معلما في شوارع "عمان الكبرى".اضافة اعلان
ليست عمان التي عرفناها من قبل. في أيام الضيق وشح الموارد وتواضع الميزانيات، كان حال عمان؛ شوارعها وبنيتها التحتية، أفضل مئة مرة من حالها في السنوات الأخيرة؛ سنوات التخطيط الشمولي، والخبراء الأجانب برواتب خيالية، والشركات المتخصصة باصطياد الموظفين الأذكياء!
بأعداد أقل من الموظفين والمهندسين المتفانين، تمكن عبدالرؤوف الروابدة من التأسيس لمنظومة إدارية محكمة في الأمانة. وفي ظروف أسوأ من النواحي كافة، كان بوسع ممدوح العبادي أن يشق الأنفاق. وعندما كانت الأحوال الجوية تشتد على أهل العاصمة، كان حضور العبادي إلى جانب سائقي "اللودرات" في الشوارع يخفف على الناس، ويشعرهم أن الأمين أمين على مصالحهم وواحد منهم.
تضاعفت ميزانية أمانة عمان عشرات المرات، وتوسعت أوجه الإنفاق، لا بل شهدنا انفلاتا في الصرف على الدراسات والمعاهد المتخصصة وغيرها، إضافة إلى ما تكشف من مبالغ دفعت لأشخاص نافذين لشراء دعمهم. لكن بالرغم من ذلك كله، لم تتمكن الأمانة من تحسين نظام الصرف الصحي الذي بات عاجزا عن تصريف مياه الأمطار ليوم واحد.
في عصر "الإدارة الذكية"، بالكاد ترى أمين العاصمة في الشارع العام يخوض في حوار مع الناس، أو يتابع بنفسه العمل في الميدان؛ صار للأمين جناح طويل عريض كلف "تشييده" مبلغا طائلا، ويعمل فيه فريق من الموظفين يفوق ما للرئيس الأميركي من مساعدين!
منذ سنوات قليلة، بدأت عمان تفقد مزاياها التي كانت تباهي بها عواصم ومدنا شقيقة. مستوى النظافة في تراجع بلغ حد الأزمة في الصيف الماضي، وما تزال المشكلة بدون حل حتى اليوم. والطرق في العاصمة ليست كما كانت، ولا يخلو متر واحد فيها من الحفر والمطبات. والخلطات الإسفلتية تذوب بعد أول شتوة. أما حال الأرصفة والمواقف فلا تسأل. القطاع الوحيد الذي يشهد نموا في الأمانة هو قطاع الموظفين، ومعه يرتفع العجز في الميزانية وتزيد المديونية.
قبل أسابيع، قامت كوادر الأمانة بتحفير عدد من الشوارع والدخلات في مناطق بعمان الغربية، تمهيدا "لرش" طبقة جديدة من الإسفلت. لم أفهم الحكمة من وراء تركها هكذا طوال هذه المدة. وما إن جاءت "الشتوة" الأخيرة، حتى تحولت إلى أنهار جارية، ومصائد للسائقين وسياراتهم.
لا توجد لدينا مراكز متخصصة في حساب الخسائر الناجمة عن حالات الطوارئ، لكن أستطيع أن أقدر خسائر المواطنين جراء الأضرار التي لحقت بسياراتهم بملايين الدنانير في الأيام القليلة الماضية.
قبل المنخفض الجوي الأخير الذي ضرب عمان وكشف مظاهر الاختلال في بنيتها التحتية، كانت "الأمانة" قد تعرضت لمنخفض أرضي أجهز على بنيتها الإدارية، وحول قصة النجاح إلى "كومة" من ملفات الفساد في أروقة المحاكم.

[email protected]