السترات الصفراء.. دعوة استيقاظ لفرنسا والعالم

29oq5djw
29oq5djw
ترجمة: علاء الدين أبو زينة إدوارد تيترو - (وورلد كرنتش) 5/12/2018 تتعلق انتفاضة "السترات الصفراء" بما هو أكثر من ضرائب الوقود سيئة المشورة التي وضعها ماكرون. إنها أعراض فشل على مستوى النظام كله، والذي ينبغي معالجته قبل فوات الأوان. * * * باريس- الأزمة التي تدور رحاها في فرنسا -وفي معظم الدول المتقدمة الأخرى، إذا كان ذلك يهم- هي مسألة جديّة وخطيرة. لكنها تعرض الأمل بنفس القدر، وتجلب معها فرصة لإعادة التجديد. يشعر الجميع، بالنظر إلى انتشار العنف الجسدي واللفظي في البلد، بأن هناك ما هو أكثر من مجرد هذا الرفع سيئ المشورة للضريبة على الكربون، والذي أعلن رئيس الوزراء، إدوارد فيليب، مؤخراً عن تعليقه لمدة ستة أشهر، في محاولة لإخماد انتفاضة "السترات الصفراء". لم يكن فرض هذه الضريبة مناسباً للعديد من الأسباب. أولاً، لأنها مستندة إلى زيف: فكرة أن فرنسا سوف تساهم، عن طريق رفع الضرائب على ما يقدر عددهم بنحو 40 مليون سائق سيارة في البلد –وهو ما يمثل أقل من 1 % من سكان العالم- في النضال ضد ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي. وتشكل غابات الحرائق الأخيرة في كاليفورنيا وحدها ما يعادل عاماً كاملاً من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من فرنسا كلها. كما لم يكن فرض هذه الضريبة مناسباً أيضاً لأنها كانت غير عادلة اجتماعياً إلى حد كبير. وكانت ستضرب الملايين من أبناء الشعب الفرنسي، وخصوصاً العائلات الكبيرة التي كانت قد دُفعت لمسافة عشرات الكيلومترات بعيداً عن مدننا بسبب الكلف العالية للإسكان في المناطق الحضرية، والتي ليس لديها أي خيار سوى أن تقود سياراتها عشرات الكيلومترات إلى أماكن العمل، ومحاولة العيش أو البقاء على قيد الحياة. مجرد أعراض لمشكلة أكبر سوف يترتب على السلطة التنفيذية الفرنسية أن تصلح هذا الخطأ وأن تعمل في الوقت نفسه على استعادة النظام العام، والذي سُمح له بأن ينجرب بشكل خطير في الأسابيع الأخيرة. لكن هذه لن تعدو كونها نقطة البداية فحسب. وبعدها سيكون على قادتنا التركيز على الأزمة طويلة الأجل، والتي يجري التعبير عنها اليوم في فرنسا. وهي أزمة معنى في المقام الأول: ما هو الذي نعمل لأجله بالضبط، إذا كنا لا نستطيع أن الوفاء باحتياجاتنا وتغطية نفقاتنا والتحضير لمستقبل أبنائنا؟ أو، عندما يذهب 48 % من الثروة التي ننتجها لتأخذه دولة يمكننا بالكاد أن مساءلتها؟ لماذا نواصل البقاء معاً على هذه القطعة من الأرض في غرب أوروبا؟ أما نزال أمة أوروبية بماض وحاضر ومصير مشترك؟ أم أننا أصبحنا مسبقاً قِطعاً متعددة الألوان من الطوائف العرقية والدينية والجاليات الاجتماعية، والتي يشدها معاً مثل هذا "الشيء" غير الديمقراطي -كما وصف الجنرال ديغول الأمم المتحدة- والذي يدعى الاتحاد الأوروبي؟ لن يعمل تقديم الحلول التكنوقراطية لتعديل النموذج الحالي على كسر الجمود. وبدلاً من ذلك، نحتاج إلى امتلاك الشجاعة لإعادة التفكير في النموذج ومراجعته في كل أبعاده. وفي أعماق أعماقهم، يعرف حتى القراء من ذوي الدخل المرتفع جيداً أن رأسمالية العام 2018 ذات الصبغة المالية المفرطة ليست قابلة للاستدامة على المدى البعيد. وسوف يكون الانهيار المالي القادم المرتبط بإفراط المديونية العالمية مجرد مسألة وقت فحسب. وتدفع التقنيات الجديدة بقطاعات كاملة من السكان إلى خارج وظائفهم. وتتزايد مواطن التفاوت وتتسع هوته في جميع أنحاء العالم، وفي كل بلد. وكل هذه أعراض لمشكلة أكبر. يجب أن نعيد التفكير في هذا النظام، الذي لم يكن له منافس -وبالتالي لم يكن هناك تحد له- منذ سقوط الشيوعية في العام 1989، تماماً كما يجب أن نخرج من إسار التأكيدات الأوروبية الخاطئة التي تنتج خطباً جيدة، وإنما لا يعقبها لا أي نوع من التحقق الواقعي. لن يرى الجيش الأوروبي الذي يجري الحديث عنه النور أبداً لأنه لا أحد يريده. والشراكة الفرنسية الألمانية؟ لقد قضى خمول السيدة ميركل، وقراراتها المجنونة أحادية الجانب حول الطاقة النووية والمهاجرين على هذه الدينامية الدقيقة. وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلها وزير المالية الفرنسي الناطق بالألمانية، فإن تكتيكات التأجيل التي اتبعتها حكومة ميركل لتجنب قيام الاتحاد الأوروبي بالاعتماد السريع لـ"الضريبة الرقمية" الملحة التي تمس الحاجة إليها على شركات التكنولوجيا الكبيرة الأربع (والتي ستغطي إلى حد كبير عجز الإيرادات من ضريبة الكربون) هي أحدث مثال على هذه اللامبالاة، والتي تتعارض أيضاً مع المصالح الأوروبية المشتركة. بدلاً من محاربة ظاهرة الاحتباس الحراري، دعونا نضعه في اعتبارنا عندما يتعلق الأمر بتخطيط الأراضي، من سواحلنا إلى مزارع الكروم لدينا، وفيما يتعلق بمصادر الطاقة الجديدة. هل يجب علينا حقاً تشويه مناظرنا الطبيعية -التي هي وجه فرنسا في نفس الوقت كمصدر أساسي للدخل السياحي- بتوربينات الرياح غير المنتجة؟ وماذا عن الكتلة الحيوية؟ والطاقة الشمسية؟ لم يعد من الممكن حكم فرنسا من الأعلى إلى الأسفل بما أن أحداً لا يحترم المعايير الأوروبية، بدءاً بألمانيا وفوائضها التجارية الكبيرة، دعونا نقوم بإعداد سياسة رئيسية للبنية التحتية، والتي تهدف إلى تعزيز سيادتنا وتأمين مصادر ثروتنا الوطنية للعقود المقبلة. وإذا كانت فرنسا المنهارة في العام 1944 قد تمكنت من حيازة أسلحة نووية بعد 10 سنوات فقط -بفضل عبقريتها الصناعية التي ما تزال حية، والجنرال ديغول- فلماذا بحق الله لا تكون فرنسا في العام 2018 في وضع يمكنها، في غضون بضع سنوات، من إعادة بناء مصادر السيادة والازدهار الحالية؟ إنني أشير هنا إلى التكنولوجيا الرقمية، والصناعات "الخضراء"، والصحة -وهي قطاع نمتلك فيه قيادة عالمية، لكننا تخلينا عنه وأهملناه- وبالطبع أدواتنا للدفاع العسكري والأمن المدني التي أصبحنا نعيد اكتشافها كأولوية في بعد الأحداث الأخيرة في فرنسا وتزايد العداوات من حولنا. إننا في حاجة إلى منظور جديد وتغيير في الطريقة التي تعمل بها الحكومة. وفي عصر الشبكات الرقمية، لم يعد من الممكن حكم فرنسا من أعلى إلى أسفل بواسطة اليعقوبية الباريسية باعتبارها غير فعالة وغير شرعية تماماً مثل مركزية بروكسل. على العكس من ذلك، حان الوقت لإحياء الحدس الأساسي لحركة "إلى الأمام" التي جعلت إيمانويل ماكرون يُنتخَب من خلال منح السلطات المحلية وقاعات المدن والإدارات والمناطق السلطة لبدء مبادرات محلية ومن ثم اختبارها وتقييمها -وربما توسيعها على المستوى الوطني. كتب زعيم الثورة الفرنسية ميرابو ذات مرة: "الناس مثل التفاح: عندما تراكمهم في كومة، فإنهم يتعفنون". ومن خلال تطبيق مبدأ التفريع المحلي -بمعنى أن يتم التعامل مع القضايا الاجتماعية والسياسية على المستوى الأكثر قرباً والذي يتلاءم مع حلها: من خلال إنشاء نظام بيئي بشري قائم على الحوافز، وعن طريق جعل هدفه الأول والأساسي هو استعادة سيادتنا، سوف تتمكن السلطة التنفيذية الفرنسية في النهاية من منح منظور ومعنى جديدين لأمة فرنسية تعاني الآن من الاختناق. *نشر هذا المقال تحت عنوان: The Yellow Vests, A Wake-Up Call For France And The Worldاضافة اعلان