السروة انكسرت

د. عاصم منصور عراك النواب في مجلسهم استحوذ على اهتمام كبير في الأردن، وتجاوزه في كل الاتجاهات، وفتح المجال واسعا للسخرية والتسلية، وكذلك للتأويل والتفسير، ومن الطبيعي أن يحاول الكثيرون تصنيف ما جرى ضمن مسارات سياسية واجتماعية وايديولوجية، ومن ثمّ توظيفه لدعم فكرة، أو تأكيد تخوف، أو شرح مؤامرة. فحدث مثل هذا ينبغي أن تكون له مقدمات كما أن له عقابيل. فإذا لم يتيسر رصدها، فلا بأس من افتراضها. فالبعض رأى فيه أمرا دُبّر بليل من أجل التشويش على التحديث والإصلاح، وإفشالاً لمخرجات لجنة الحوار الوطني، واخرون رأوا فيه استفزازا مقصودا من أجل فرض الانسلاخ عن منظومة القيم، وأحكام الأحوال الشخصية، والعبث في الهوية. ووضعه البعض في باب الإساءة المقصودة للمجلس، أو لبعض رموزه، وقيده آخرون في فصول تقسيم المجتمع من خلال ساحة البرلمان. وربما تعذر الربط المنطقي بين وقائع الأحداث وتفسيراتها، ولكن سبق وأن ذكرنا بأن الناس يميلون - في العادة - إلى تبني ما يناسبهم من التأويلات، وما يريح أذهانهم من الاحتمالات. ربما تكون هناك تفسيرات أسهل لعراك النوّاب، فهذا المجلس انتخب وعاش عامه الوحيد في زمن الوباء والإغلاقات، وما صاحبها من تراجع في الاقتصاد، وتدهور في الخدمات، وارتفاع في البطالة. فالنائب بين ضعف الإنجاز، وتواصل الأزمات، ونقد الجمهور، وقلة الحيلة. فتراكمت الظروف، وتضافرت العوامل التي أدت بالمشرّعين الى مخالفة القانون والنظام جهاراً نهاراً. يقال أن السير اسحق نيوتن، ونقصد هنا العالم الجهبذ وصاحب قوانين الفيزياء، وحسابات التفاضل والتكامل، بقي صامتا مستمعا ولم ينبس ببنت شفة طوال احدى عشرة سنة هي مدة عضويته في البرلمان البريطاني، ويوم أن طلب الإذن في الحديث، كان طلبه أن تغلق نوافذ المجلس لشعوره بالبرودة. بين برودة نيوتن وسخونة نوابنا مسافة واسعة، ولكن ربما كان النوّاب في شجارهم ممثلين لشريحة واسعة، وقاعدة عريضة من المجتمع سواء أولئك الذين انتخبوهم أو لم ينتخبوهم. يقول محمود درويش في قصيدته «السروة انكسرت» السروة انكسرت .. وقُلْتُ أَنا لنفسي: لا غُموضَ ولا وُضُوحَ السروة انكسرتْ، وهذا كُلُّ ما في الأمرِ: إنَّ السروة انكسرتْ!

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا

اضافة اعلان