"السطوح": بانوراما للمجتمع الجزائري بلهجة لاذعة لعلواش

المخرج مرزاق علواش - (أرشيفية)
المخرج مرزاق علواش - (أرشيفية)

عمان- حكايات مختلفة تلك التي تلتقطها كاميرا المخرج الجزائري مرزاق علواش في أحداث فيلمه" السطوح"، وبطريقته الخاصة، لعمل هو من كتب السيناريو له، بدون أن يجمع أي من هذه الحكايات أي شيء سوى المكان العالي المتمثل في السطوح والعاصمة الجزائرية ورائحة الموت.

اضافة اعلان

الفيلم الذي عرض الاثنين الماضي في سينما الرينبو بتنظيم من الهيئة الملكية للأفلام، كان قد شارك في الدورة الـ70 من مهرجان البندقية، وشارك في مهرجان لندن السينمائي، إلى جانب نيله جائزة أفضل مخرج لهذا الفيلم في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي العام الماضي، وأيضاً جائزة النقاد الدولية "فيبريسكي".

وينتقد الفيلم من زاوية علواش بشكل واضح المجتمع الجزائري المتأثر بالزيف والنفاق الاجتماعي والديني حملتها الشخصيات والأحداث.

ومن خلال حكايات خمس تدور فوق أسطح عمارات مختلفة لا تنزل للشارع، يصور علواش أحداث كل حكاية لشباب يعيشون في أحياء مختلفة هي حي القصبة الشهير إلى الجزائر الوسطى وباب الواد ونوتردام وبلكور. 

أما الوقت الزمني للفيلم فيدور في إطار سردي خلال يوم واحد، تنطلق أحداثه من صلاة الفجر وتنتهي بصلاة العشاء ليختار علواش أن يعكس انتقاداته للمجتمع الجزائري بين حالات عنف واغتصاب وإرهاب وخوف وحلم محطم وحب مسروق.

وعلى عادة علواش في جرأته وانتقاده الصريح للجزائر كما هو الحال في آخر أعماله الثلاثة التي حملت هما ثقافيا، كما في فيلمه "نورمال" من خلال تساؤلات من قبل شباب الجزائر في مواجهة الربيع العربي والمعاناة الداخلية التي تخضع لأهواء الجهات والسلطة في تقييد حرية التعبير عن الرأي، وصولا لفيلم من العام الماضي "التائب" الذي انتقد فيه قانون العفو عن مجرمي السنوات السوداء في الجزائر. 

وهي ليست المرة الأولى التي يتعامل فيها علواش مع الجماعات المتدينة السلبية، إذ قدمها في فيلمه هذا بصورة المرأة المنقبة التي ترتاد شيخا ليطرد الجن منها، ليستغلها بحجة إخراج الجن منها مقابل صورة الشاب الإسلامي المتدين الذي يعامل أمه بجفاء، ويستقبل جماعته على السطح، بينما يبقي والده محبوسا في حجرة خشبية صغيرة، يتحدث فيها بصوت راو دون أن يظهر عن بطولات الإسلام.

ومن يعرف أفلام علواش لن تخفى عليه تلك اللهجة الساخرة في انتقاد الازدواجية في المجتمع، وتلك ليست باللهجة الجديدة خصوصا فيما يتعلق بتعامل علواش مع الدين، فكانت حاضرة في فيلم "باب الوادي سيتي" من العام 1994، الذي تطرق فيه إلى موضوع الإرهاب والسنوات السوداء التي عصفت في الجزائر مقابل فيلم "العالم الآخر" من العام 2001، المبني على حكاية ياسمنية الجزائرية، التي تبحث عن خطيبها رشيد، الذي التحق في الجيش الجزائري في التسعينيات من القرن الماضي، ويقع بين أيدي الإرهابيين ليعكس في هذا الفيلم الحرب والخراب وانتشار الأصولية والتطرف.

وصولا لآخر فيلم له من العام الماضي وهو فيلم "التائب" الذي عرض في مسابقة "نظرة خاصة" في مهرجان كان السينمائي بدورته الـ 66، والذي انتقد فيه بشكل واضح وصريح قانون العفو عن الجماعات الإسلامية المسلحة والتطرف في الجزائر، وما خلفته من ندب وجراح لا تندمل في الواقع الجزائري.

ومن هنا وعبر حكايات خمس في فيلم "السطوح" تنطلق الأحداث التي ترسم شخصيات عامة لا يعكس عمقها بقدر ما يعكس لهجة علواش اللاذعة، فالحكاية الأولى على أول سطح تتناول ذلك الرجل المقيد بسلاسل في قفص خشبي ضيق على سطح أحد المنازل، ولا يرى منه وجهه ويحضر فقط صوته ودائما ما يتحدث عن النضال واستقلال الجزائر والخيانات، والتي يرويها لطفلة تزوره دوما تحرره في نهاية الفيلم لينتقم لنفسه، ويظهر لاحقا في الفيلم أن من حبسه في  القفص على السطح أخوه المتدين ويهدده بالضرب إن أصدر صوتا خلال زيارة "الجماعة" له لأداء الصلاة على سطح داره والاستماع إلى خطبة شيخهم التي يمتدح فيها القذافي.

وعلى سطح آخر يلتقط علواش تدريبات فرقة موسيقية لفتاة تدعى "ليلى" تعشق الموسيقى، إذ تشهد وفرقتها تعرض "آسيا" للضرب العنيف على سطح آخر، وهي من كانت تراقبهم غالبا وتراسل الشابة الموسيقية برسائل إعجاب ومحبة، لتقوم بالقفز عن السطح أمام ليلى مودعة إياه في مشهد صعب.

أما الحكاية الثالثة فهي تعكس الفقر والعشوائية في سطح متاح للجميع بدءا من شاب يمارس الرياضة، وصولا لشيخ يشغل إحدى الغرف الضيقة هناك لممارسة الدجل مع النساء.

أما الحكاية الرابعة وهي الأكثر قسوة فهي مشهد تعذيب في عمارة مهجورة لرجل يغطس رأسه بالماء من قبل عصابة، ينتهي بموت الشخص المعذب، ويتضح لاحقا أنه شقيق زعيم العصابة وهو من يعذبه فعليا، وتتداخل نفس الأحداث بوجود فريق تلفزيوني يصور مشاهد من على السطح ينتهي بهم المطاف جثث هامدة من قبل هذه العصابة.

أما آخر الحكايات فهي الأكثر تفصيلا والتي تدور حول أم تعيش مع ابنتها المريضة نفسيا والمدمنة، نتيجة اختطافها من الإرهابيين في السنوات العشر السوداء، وابنها المدمن على السطح ليواجهوا قرار تبليغ من صاحب العمارة بإخلاء المكان بقرار من المحكمة، ولكن النتيجة هي تعرضه للضرب حتى الموت بطنجرة على رأسه وتلقى جثت في البحر ليلا بعد صلاة العشاء.

وفي هذه الحكاية يلجأ ابن صاحب العمارة  لوالد زوجته وهو المسؤول في الشرطة لمساعدته، ولكن النتيجة هي تقديم نصيحة للأم بأن تلقى الجثة في البحر.

ويؤخذ على علواش في فيلم "السطوح" عمومية للشخصيات التي لم يغص في بيئتها وأعماقها، فبدت كل واحدة منها كأنها تؤدي ذلك المشهد فوق السطوح في حالة واحدة للجميع ولكن أيا منها لم يتمتع بتلك الحيوية، بل كل واحدة منها رمز ونمط اجتماعي لا يفضله علواش وأخرى تعكس بيئة سياسية.

وكان هذا الفيلم على غرار آخر أعماله الثلاثة التي يصورها علواش بكاميرا رقمية صغيرة ويتعامل فيها مع وجوه شابة جدية، بدلا من انتظار الدعم المالي من قبل وزارة الثقافة التي يعاني من مشاكل معها.

من جانب آخر يتمتع الفيلم بصورة جميلة خصوصا وأنها تلتقط العاصمة الجزائرية بمشهد بانورامي، فكل سطح يحمل غالبا مشاهد زرقة السماء والبحر، وتلك الأسطح البيضاء للعمارات القديمة في أحياء وعمارات تحمل الطرز المعماري الفرنسي، مقابل حضور صوت أمواج البحر وتكسرها على الشاطيء وصوت الريح كموسيقى للفيلم.

وتختلف أطروحات علواش السينمائية بين فيلم وآخر، لكنها كلها تهتم بما يجري داخلياً وتدخل في صلب حياة الشباب الجزائري وعلاقته مع الآخر، وهي الهجرة والعيش خارجاً؛ فمثلا في فيلمه "شوشو" العام 2003، طابع كوميدي درامي اجتماعي بأحلام "شوشو" الشاب، ولعب دوره الممثل جاد المالح، وهو ممثل فرنسي من أصل مغربي، بمشاركة ممثلين آخرين؛ منهم كلود براسور وآلان شابا والمغربي رشدي زام، علماً أن علواش تعامل مع المالح في فيلم "سلاما ابن العم".‏ 

أما فيلمه "باب الويب"، فهو مرتبط بالإنترنت من جهة وبـ "حيّ باب الواد" من جهة أخرى، ووظفهما علواش ليعكس تعامل المجتمع الجزائري مع التغيرات التقنية في عالم بات مفتوحا على بعضه.

وعلواش مخرج جزائري معروف في أوساط المغرب العربي والعالم العربي والعالم من خلال أفلامه التي شهدت تغييرات اجتماعية في الجزائر، وعاين من خلال تجاربه السينمائية وأعماله المتنوعة، التي عرضت في كان، ومهرجانات دولية مثل مهرجان فينيسيا الدولي، فترتين مهمتين في الجزائر؛ الأولى بعد ثورة أيار (مايو) 1968، والثانية بعد السنوات السوداء في التسعينيات.

ويبقى القول إن كل مخرج يشفي جراحه ويبث همومه عن وطنه من خلال عدسته الخاصة، وبالرؤية التي يشعر بها، فما السينما في النهاية إلا جمالية فنية، ووسيلة لنقد الواقع، واقتراح حلول إن أمكن ودعوة للتغيير نحو الأفضل.