السلام أو جولات من الدم والرعب

فهد الخيطان خلال أيام لربما تفلح الجهود الدولية بالتوصل إلى تهدئة، تضع حدا للعدوان الإسرائيلي على غزة. لكن ليست هي الجولة الأخيرة من الصراع. القدس ستظل ملفا قابلا للانفجار في أي لحظة، والاستيطان، وحصار غزة، والتنكيل بالفلسطينيين على الحواجز، وسلب شعب كامل حريته، كلها مجتمعة بركان من البارود يلقي حممه كلما لاحت فرصة. الأمن والاحتلال لا يجتمعان أبدا، وإسرائيل ستدفع ثمن انحيازها للتطرف، مادامت على هذه الحال. عمليا حكومات الاحتلال، تحولت في السنوات الأخيرة لفريق من الإرهابيين. أكثر الأشخاص تطرفا وعنجهية يحتلون اليوم أغلب مقاعد الكنيست، ويسيطرون على تشكيلة الحكومات. لا يمكن لهذا السلوك أن يظل بلا رد فعل فلسطيني، فكلما أمعنت إسرائيل بسياسات القهر والإذلال، زاد تمسك الفلسطينيين بحقهم في المقاومة، لا بل واتجهت أغلبيتهم إلى خيار المقاومة المسلحة. ماذا جنت إسرائيل من سياسة عزل ومحاصرة قطاع غزة؟ المقاومة لم تستسلم، بل زادت قدرتها العسكرية تطورا حتى بلغت حد إرباك وتعطيل أقوى شبكة صواريخ دفاعية واعتراضية. المجتمع الإسرائيلي اتجه صوب التشدد والتطرف في السنوات الأخيرة، ومنحت أغلبيته أصواتها لأحزاب وجماعات لا تقيم وزنا للسلام ولا تعترف بحقوق الفلسطينيين التاريخية، وتدعم التهويد والاستيطان، ومع دعم الإدارة الأميركية السابقة لهذا النهج، تخطت حكومات الاحتلال كل الحدود، وبمباركة من ترامب والعصابة الصهيونية من حوله، حصلت إسرائيل على اعتراف أميركي بالقدس المحتلة عاصمة للكيان المحتل، وضم الجولان السوري المحتل، وشرعنة الاستيطان في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وسط موجة غير مسبوقة من الازدراء للشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن. وساد اعتقاد ثبت أنه مجرد أوهام، بأن التطبيع مع الدول العربية هو البديل التاريخي عن حل القضية الفلسطينية ومنح الفلسطينيين دولة مستقلة على ترابهم الوطني. استخف كثيرون في أوساط الإدارة الأميركية وفي إسرائيل، بتحذيرات الأردن والملك عبدالله الثاني شخصيا من مغبة هذه الخطوات المجنونة، وعواقبها على أمن واستقرار المنطقة، وقالوا حينها، ها نحن نتخذ القرارات بشأن القدس ولا نرى شيئا مما يحذر منه الأردن يحصل على أرض الواقع. اليوم أنتم ترون بأعينكم نتيجة ما ارتكبتم من جرائم بحق الشعب الفلسطيني، والاستهانة بكرامته وحقوقه الإنسانية والوطنية. ليست الضفة الغربية المحتلة وغزة فقط تشتعل بالمقاومة والانتفاضة، إنما كل فلسطين التاريخية، وما يحصل في مدن الداخل الفلسطيني إلا الدليل على ذلك. أوهام صفقة القرن وعرابها كوشنير سقطت تماما، ولم يعد هناك قيمة لكل ما سلبته إسرائيل من حقوق فلسطينية. المقاومة والانتفاضة المقدسية والفلسطينية أعادت الصراع إلى مربعه الأول، وإلى ما قبل صفقة القرن وكل ما ترتب عليها من خطوات. يتعين على المجتمع الإسرائيلي أن يعي هذه الحقيقة، ويعيد حساباته الانتخابية. اليمين المتطرف وزمرة الإرهابيين من قطعان المستوطنين كذبوا عليكم وعلى أنفسهم، والخلاصة بسيطة وصريحة؛ لن تنعموا بالأمن ما لم ينل الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، وإذا كان من أحد لا يصدق ذلك فلينتظر جولات من الدم والرعب في المستقبل.اضافة اعلان