"السلطة الفلسطينية" محاصرة بين أزماتها الثقيلة وضيق خياراتها المتاحة

نادية سعد الدين

عمان- لا تعد الأزمة المالية الخانقة التي تعصف بالسلطة الوطنية الفلسطينية، أكبر همومها الثقيلة، وذلك نظير تحديات داخلية وخارجية وازنة تتجاوز حدود خياراتها المتاحة عند اصطدامها بالاحتلال الإسرائيلي، الذي يزداد قتامة مع استمرار الانقسام وتعثر خطوات المصالحة الفلسطينية.اضافة اعلان
وقد أفاق الفلسطينيون أمس على قرار الاحتلال إقامة 13 ألف وحدة استيطانية جديدة ستغير معالم الضفة الغربية كلها، لاسيما القدس المحتلة، منها نحو 1355 وحدة استيطانية طرحت الحكومة الإسرائيلية، أمس، مناقصات لبنائها بمستوطنات الضفة، بما فيها القدس، فضلاً عن 3144 وحدة استيطانية جديدة تعتزم المصادقة على إقامتها خلال جلسة ستنعقد يوم الأربعاء المقبل.
يأتي ذلك على وقع تحرك أعضاء في "الكنيست" الإسرائيلي لطرح مقترح قانون يقضي بتوسيع نفوذ مستوطنات مدينة القدس، حيث يسعى الاحتلال، في حال إقرار القانون الإسرائيلي، إلى تهويد القدس والحفاظ عليها كعاصمة موحدة "لدولة إسرائيل" ورفع عدد المستوطنين فيها، من خلال ضم مستوطنات "معاليه أدوميم" و"جفعات زئيف" و"غوش عتصيون" و"إفرات" و"بيتار" و"عيليت" الإسرائيلية الضخمة إلى حدودها.
ويعتبر الاستيطان الإسرائيلي أحد أبرز التحديات التي تواجه القيادة الفلسطينية، والذي بحثته خلال اجتماعها مساء أمس برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله، ولكنه ليس أقلها حدّة، في ظل وجود الاحتلال الذي يعد أصل المشكلة، مثلما يشكل نهايتها عند زواله.
ويعدّ الاحتلال سبب الأزمة المالية الخانقة التي تواجه القيادة الفلسطينية، إزاء سرقته لأموال الشعب الفلسطيني ونهب موارده الطبيعية واستلابه لأرضه وممتلكاته وإرثه، غير أن العجز المالي للموازنة العامة الفلسطينية، الذي يقارب المليار والـ200 مليون دولار للعام الجاري، يعود في جزء كبير منه إلى الخلل البنيويّ في ميزان النفقات بالنسبة لسلطة واقعة تحت الاحتلال.
إذ يستحوذ قطاع الأمن على الجزء الأكبر من موازنة السلطة الفلسطينية، بنسبة 21 %، مقارنة مع قطاعات أخرى خدمية وتنموية، مثل التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، والتي تحظى بنسب أقل من الموازنة العامة، بما يثير تساؤل دائم عند كثير من القوى والفصائل الوطنية حول أهمية هذا الإنفاق وجدواه وسبل تحديد الأولويات لشعب يرزح تحت ظأة الاحتلال.
فيما يذهب نحو 70 مليون دولار كرواتب شهرية مخصصة للعاملين في قوى الأمن الفلسطينية، حيث يبلغ عدد العاملين العسكريين نحو 66 ألف عسكري، وفق معطيات حقوقية فلسطينية، بالرغم من أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية غير مكلفة بوظيفة الجيش وتوفير الحماية الخارجية أو توجيه السلاح ضد الاحتلال.
ومن شأن هذا التقصير في رفد القطاعات التنموية الأخرى بالتمويل المناسب أن يضعف من قدرة المجتمع الفلسطيني على الصمود أمام الاحتلال، ويقلل من فرصة الانفكاك الاقتصادي عن الجانب الإسرائيلي.
الاحتلال سبب الأزمات الفلسطينية
ورأى عضو المجلس الوطني الفلسطيني، اللواء الدكتور خالد مسمار، في حديثه لـ"الغد"، أن الاحتلال يعدّ أساس الإشكاليات كلها، فإذا بقي فإن كل المشاكل تبقى معلقة.
وقال مسمار لـ"الغد"، إن هناك وضعاً ما يزال معقداً، منوهاً إلى أن تصريحات الإدارة الأميركية الحالية كانت في بداية عهدها مهمة، ولكنها ظلت حتى اللحظة في إطار التصريح بدون أن يلمس الجانب الفلسطيني منها أي شيء على أرض الواقع.
وأضاف أنه بالرغم من التغيير الوازن في وجهة نظر الإدارة الأميركية الحالية مقارنة بالسابقة، ولكنه لا ينعكس بشكل ملموس حتى الآن، مضيفاً بأن الفلسطينيين يواجهون معركة استيطانية كبيرة، بينما لا تنعكس المواقف الدولية المدينة والرافضة للاستيطان على الأرض.
واعتبر أن الوضع الداخلي بحاجة إلى ترميم، منوهاً إلى أن هناك اتصالات داخلية بين الفصائل الفلسطينية المنضوية في إطار منظمة التحرير، بالإضافة إلى العلاقات الداخلية، والاتصالات الجارية داخل صفوف حركة "فتح"، من أجل ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني.
وأفاد بالاتفاق على عقد المؤتمر الثامن لحركة "فتح"، في شهر آذار (مارس) من العام المقبل، كما تم تشكيل لجنة تحضيرية من الفصائل، بدون "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، للترتيب لعقد المجلس المركزي الفلسطيني في الفترة ما بين تشرين الثاني (ديسمبر) حتى كانون الثاني (يناير) المقبل.
وقال إن هناك تحركات على مختلف المستويات للخروج من المأزق الداخلي الراهن ومواجهة العقبات، مشيراً إلى المحاولات المصرية الدؤوبة لإنهاء الإنقسام وتحقيق المصالحة الفلسطينية، ولكن لا يوجد أي جديد حتى الآن، في ظل تدخلات من جهات مختلفة لعرقلة الاتفاقات وإعاقة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه سابقاً.
وفيما أكد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح"، عزام الأحمد، إن السلطة الفلسطينية تعاني حصاراً مالياً كبيراً لا يزال مفروضاً عليها منذ عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فإن وزير التنمية الاجتماعية في السلطة الفلسطينية، أحمد مجدلاني، قد أفاد بأن الموازنة العامة لم تتلق سوى مساعدة واحدة منذ مطلع العام الجاري.
وقد قُدّرت قيمة تلك المساعدة بنحو 30 مليون دولار من البنك الدولي، حيث توقفت كل المساعدات بما فيها ذلك مساعدات الاتحاد الأوروبي، التي منها 40 مليون دولار مخصصة لبرنامج مساعدات الأسر الفقيرة.
الخيارات الفلسطينية
قد يضيّق أفق الخيارات المتاحة أمام القيادة الفلسطينية للخروج من المأزق الراهن، في ظل وجود الاحتلال المترّبص بالهوية والأرث الوطني، وإزاء ضعف التحرك المضاد للمجتمع الدولي، فضلاً عن استمرار الإنقسام الفلسطيني، منذ العام 2007، وتعثر خطوات المصالحة الفلسطينية.
وقد بحثت القيادة الفلسطينية، في اجتماعها أمس، الخيارات المتاحة، في حال واصلت سلطات الاحتلال تقويض حل الدولتين، ومنها العودة لقرار التقسيم 181 لعام 1947، وربط إعادة اعتراف منظمة التحرير بالكيان الإسرائيلي بالاعتراف بهذا القرار، وفق عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أحمد مجدلاني.
وأوضح مجدلاني إن اجتماع القيادة الفلسطينية له أهمية كبيرة واستثنائية ويأتي تتويجاً لاجتماعي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والمركزية لحركة "فتح" الأخيرين، لبحث التطورات المتسارعة والميدانية، جراء ما تقوم بها حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة على الأرض.
ودارت مناقشات القيادة حول الموقف الفلسطيني وبرنامج العمل وكيفية تحويل خطاب الرئيس عباس الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى خطة وبرنامج للعمل في مواجهة مخططات الاحتلال بالمرحلة المقبلة.
في حين تنشط حركة "فتح" للتواصل مع فصائل منظمة التحرير، لتعزيز الشراكة وتمتين الجبهة الداخلية الفلسطينية، لمواجهة التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، في ظل عدوان حكومة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته.
وأكدت عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، دلال سلامة، إن حركة "فتح" مصممة على إجراء الحوارات مع الكل الوطني، للحفاظ على الشراكة الوطنية، وتعزيز الوحدة، وتهيئة الأجواء لعقد دورة جديدة للمجلس المركزي في ظل انغلاق الافق السياسي.
وأضافت أن اللقاءات الثنائية التي تجمع "فتح" بالفصائل الوطنية، كلا على حدة، تأتي في إطار تعزيز وتمتين الجبهة الداخلية على أن تتوج هذه الحوارات بحوار وطني شامل.