السلط على قائمة “اليونسكو”: لماذا؟

لمدينة السلط مكانة خاصة في الوجدان الأردني، فهي واحدة من الأماكن الحضرية التي ظلت مأهولة على مدار عقود طويلة، حتى قبل تشكل الكيان الجيوسياسي للمملكة.اضافة اعلان
المدينة، كذلك، تشتمل على أنماط معمارية تعبّر عن حقب زمنية مختلفة ما تزال قائمة حتى اليوم، بما فيها مدرستها الثانوية التي تعتبر مخزن ذاكرة الأردنيين، بما قدمت من رجالات ساهموا في بناء البلد.
وفي السلط أيضا، تنوع اجتماعي كبير، بنته عقود من الاستمرارية والتعايش، ما يؤهلها إلى أن تكون أنموذجا للمدينة الأم التي تستطيع بناء وحدة أبنائها من خلال معادلة الحقوق والواجبات بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.
لذلك كله، تلقينا نبأ انضمام مدينة السلط إلى قائمة التراث العالمي في “اليونسكو” بفرح وبهجة، فالمدينة تمتلك مقومات كبيرة، وشواهد حضارية لا بد من حمايتها والحفاظ عليها.
غير أن السؤال الذي تبادر إلى أذهاننا على الفور، هو: كيف يمكن للحكومة الأردنية بشكل عام، ولوزارة السياحة على وجه الخصوص، الاستفادة من قرار “اليونسكو” هذا؟ وما هي الخطوات العملية التي من الممكن أن يتم اتخاذها من أجل أن تصبح المدينة على خريطة السياحة المحلية، بما يخدم مواقعها التاريخية، وبما يساهم في تحسين دخول أهلها المشتغلين في جوانب الخدمات السياحية؟ والأهم، كيف نعزز الاستثمارات السياحية في المدينة بما يصنع فرقا حقيقيا للمدينة وأبنائها؟
بالنظر إلى السياسة السياحية الأردنية الثابتة، نشك كثيرا أن يتجاوز قرار “اليونسكو” الحبر الذي تمت طباعته به، فالسلط ليست المكان الوحيد داخل المملكة الذي يشتمل على ميزات استثنائية، غير أن الدولة فشلت تماما في جعله مكانا سياحيا حقيقيا.
قبل أعوام قليلة، تم اختيار مدينة البترا واحدة من أعاجيب الدنيا الجديدة. ومنذ ذلك الوقت حتى الآن تراجعت السياحة في ذلك المكان، بينما تعرض العديد من المنشآت الخدمية فيها إلى خسائر كبيرة، واضطر بعضها إلى إغلاق أبوابه.
صحيح أن جزءا من تراجع الحركة السياحية عائد إلى ما تشهده المنطقة من نزاعات وحروب وعنف، غير أن الجزء الأكبر يتمثل في فشل الحكومات المتعاقبة في وضع سياسات واضحة للاستقطاب والترويج السياحي، بشقيه؛ الداخلي والخارجي، والفشل في جذب اهتمام السائح الأجنبي إلى الأهمية الخاصة لمواقع سياحية وأثرية أردنية، خصوصا أن كثيرا من السياح الغربيين ما يزالون يجهلون أن الأردن، ورغم وجوده في منطقة تشتعل بالعنف، فإنه مستقر، ولا يعاني مما تعاني منه بلدان مثل سورية والعراق.
فشل الحكومات المتعاقبة، لم يتوقف عند حدود العجز عن تسويق الأردن سياحيا، بل تعداه نحو الفشل في المحافظة على كثير من الآثار الموجودة فيه، وتعريضها للتخريب والنهب والبيع في السوق السوداء، خصوصا تلك الآثار غير المكتشفة.
قبل سنوات، حدثني شخص عن كيف أنه ومجموعة من أصدقائه خرّبوا فسيفساء كاملة لكنيسة أثرية صغيرة بعد أن اكتشفوا أنها خالية من الموجودات “المهمة” التي من الممكن بيعها بسهولة.
آخرون، حدثوني كيف تتم عمليات البيع للقطع الأثرية التي يعثرون عليها، إضافة إلى معرفتي بوجود مجموعات منظمة بمناطق متفرقة من المملكة، تعمل بشكل يومي على الحفر وجمع اللقى لبيعها، ومن ثم تهريبها خارج البلد.
بالنظر إلى هذه السلسلة الطويلة من الفشل؛ ما نفع أن تكون السلط في قائمة “اليونسكو”؟