السماح لفقاعة الصين بالانفجار

مايكل سبنس*

نيويورك- في السنوات الأخيرة، أصبحت المشاكل المصاحبة لنمط النمو الاقتصادي في الصين معلومة لدى الجميع، مع تسبب السقوط الحر لسوق الأسهم الصينية مؤخراً في جلب هذه المشاكل إلى بؤرة الاهتمام. ولكن المناقشات التي تتناول اختلالات التوازن ونقاط الضعف التي تعيب الاقتصاد الصيني تميل إلى إهمال بعض العناصر الأكثر إيجابية في تطورها البنيوي، وخاصة سجل الحكومة في التدخل التصحيحي العاجل، وميزانية الدولة الضخمة التي يمكن نشرها إذا لزم الأمر.اضافة اعلان
ولكن في هذا الصدد، ينبغي لنا أن ننظر إلى فقاعة سوق الأسهم التي نشأت خلال النصف الأول من هذا العام باعتبارها استثناء. ذلك أن السلطات التنظيمية الصينية لم تكتف بتمكين نمو هذه الفقاعة من خلال السماح للمستثمرين الأفراد ــ وكثيرين منهم من الوافدين الجدد على السوق ــ بالانخراط في التداول بالهامش (الشراء على المكشوف باستخدام أموال مقترضة)؛ بل إن الاستجابة السياسية لتصحيح السوق والتي بدأت في أواخر حزيران (يونيو) كانت أيضاً مزعجة للغاية.
في ضوء التجارب السابقة مع مثل هذه الفقاعات، تصبح هذه الأخطاء السياسية محيرة. كنت في بكين في خريف عام 2007، عندما ارتفع مؤشر شنغهاي المركب إلى عنان السماء محققاً 6000 نقطة (لم تتجاوز ذروته الأخيرة 5000 نقطة إلا قليلا)، والذي كان راجعاً جزئياً إلى مشاركة المستثمرين الأفراد عديمي الخبرة نسبيا.
في ذلك الوقت، تصورت أن الهم السياسي الأكبر لابد أن يكون الفائض المتزايد الحجم الذي تجاوز 10 % من الناتج المحلي الإجمالي، والذي من شأنه أن يخلق احتكاكات مع شركاء الصين التجاريين. ولكن قادة البلاد كانوا أكثر اهتماماً بالعواقب الاجتماعية التي قد تترتب على تصحيح سوق الأسهم الذي أعقب ذلك بفترة وجيزة. ورغم عدم نشوء اضطرابات اجتماعية فإن فترة مطولة من أسعار الأسهم المحتضرة كانت حتمية، حتى برغم استمرار الاقتصاد في النمو بسرعة.
في عام 2008، كانت التركيبة التي جمعت بين أسعار الأصول المتفجرة وفرط الاستدانة في قطاع الأسر هي التي غذت الأزمة المالية العالمية. فعندما تنفجر مثل هذه الفقاعات التي تتغذى على الدين، تنتقل تأثيراتها بشكل مباشر إلى الاقتصاد الحقيقي عن طريق ميزانيات قطاع الأسر، مع إسهام انخفاض الاستهلاك في تراجع فرص العمل والاستثمار الخاص. ومن الأصعب كثيراً إيجاد قواطع لدائرة هذه الديناميكية مقارنة بتلك التي ترجع إلى ضائقة الميزانيات العمومية في القطاع المالي على سبيل المثال.
ومع ذلك، يبدو أن السلطات الصينية لم تستوعب الدرس المستخلص من أيٍ من الأزمتين. فهي لم تفشل فقط في تخفيف المخاطر التي جلبها المستثمرون الأفراد الجدد إلى السوق، والتي تأكدت في انهيار عام 2007؛ بل إنها تسببت في تفاقم هذه المخاطر، بالسماح لهؤلاء المستثمرين بتكديس الديون، بل وحتى تشجيعهم على ذلك، من خلال الشراء بالهامش.
وما زاد الطين بلة أن السلطات التنظيمية الصينية قررت عندما بدأ تصحيح سوق الأسهم الحالي في أوائل حزيران (يونيو) تخفيف القيود المفروضة على الشراء بالهامش، في حين شجعت الشركات المملوكة للدولة ومديري الأصول على شراء المزيد من الأسهم. ويبدو أن السلطات كانت أكثر اهتماماً بدعم السوق من السماح بتصحيح الأسعار المنضبط.
من المؤكد أن فقاعة سوق الأسهم في الصين لم تنشأ حتى وقت قريب. ففي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، عندما كان مؤشر شنغهاي المركب عند مستوى 2500 نقطة، اعتبر العديد من المحللين أن الأسهم مقيمة بأقل من قيمتها الحقيقية. ونظراً للنمو الاقتصادي القوي نسبيا، فإن ارتفاع الأسعار بدا مبرراً حتى شهر آذار (مارس) تقريبا، عندما ارتفعت السوق، مدعومة في الأغلب بأسهم قليلة التداول وأسهم صغيرة إلى متوسطة، إلى أكثر من 5000 نقطة، معرضة بذلك الاقتصاد للخطر. (والواقع أن كثيرين زعموا رغم ذلك أن الارتفاع لم يكن غير مستدام، لأن سوق الأسهم كانت تتداول على نسبة مقدمة من الأسعار إلى الأرباح بلغت نحو 15، وهو ما يتفق مع متوسطها في عشر سنوات، في منتصف  نيسان (إبريل)).
مؤشر شنغهاي المركب
ولكنها كانت فقاعة- وفقاعة قائمة على الاستدانة المفرطة. وفي حين قد يكون نشوء الفقاعات الدورية أمراً حتميا، وأن أي فقاعة لا تخلو من عواقب، فإن الفقاعات القائمة على الاستدانة المفرطة تميل إلى التسبب في أضرار أكبر كثيرا، وذلك نظراً لتأثيرها على الاقتصاد الحقيقي والمدة التي تستغرقها عملية تقليص المديونية.
وينعكس هذا في التعافي البطيء المتواصل في الاقتصادات المتقدمة اليوم. فحتى في الولايات المتحدة، التي كان أداؤها أفضل من أغلب البلدان غيرها منذ الأزمة، كان نمو الناتج المحلي الإجمالي المسجل منذ بداية عام 2008 أقل من 10 %؛ وعلى مدى نفس الفترة سجل الاقتصاد الصيني نمواً بلغ نحو 66 %.
بطبيعة الحال، من غير المرجح أن يتسبب ركود سوق الأسهم الحالي في عرقلة الاقتصاد لأن قطاع الأسر في الصين يحتفظ بحصة صغيرة نسبياً من الأسهم مقارنة بالقطاع العقاري. مع ذلك، وكما حدث في عام 2007، فإن احتمال تسبب المدخرات المفقودة في إشعال شرارة اضطرابات اجتماعية لا يمكن استبعاده، وخاصة في وقت حيث تعمل أدوات مثل وسائل الإعلام الاجتماعية على تمكين المواطنين بسهولة من تبادل المعلومات، وبث التظلمات، وحشد الاحتجاجات.
كما أظهرت أزمات سابقة، وكما أبرز التراجع الحالي في الصين، فلابد من اتخاذ خطوات لتخفيف مخاطر السوق. وعلى وجه التحديد، تحتاج الصين إلى قواعد تنظيمية تحوطية تعلم على الحد من استخدام الاستدانة في شراء الأصول. وهنا تتمتع الصين بالفعل بميزة تتمثل في المستويات المرتفعة من أسهم رأس المال وانخفاض نسب الرهن العقاري إلى القيمة والتي تتسم بها المشتريات العقارية من قِبَل قطاع الأسر في الصين.
وعلاوة على ذلك، يتعين على السلطات عندما يبدأ تصحيح السوق أن تسمح له باستكمال مساره تماما، بدلاً من دعم الأسعار باللجوء إلى المزيد من الاستدانة - هو النهج الذي لن يفضي إلا إلى إطالة أمد التصحيح. وإذا سمحت السلطات التنظيمية الصينية للسوق بتصحيح نفسها، فسوف يتدخل في نهاية المطاف المستثمرون المؤسسيون المخضرمون من ذوي التوجه إلى القيمة الطويلة الأجل، وهو ما من شأنه أن يعزز من استقرار السوق. وفي هذه الأثناء، قد يكون استخدام الميزانيات العمومية لشراء القدر الكافي من الأسهم لمنع السوق من فرط التصحيح مبررا.
مع توسع أسواق الصين - تعادل الأموال المخصصة لرسملة سوقي شنغهاي وشنتشن نحو 11 تريليون دولار أميركي- فإنها تفوق على نحو متزايد قدرة صانعي السياسات على إدارة الأسعار والتقييمات. ويتلخص السبيل العملي الوحيد إلى الأمام في تركيز السلطات الصينية على التطوير التنظيمي والمؤسسي، في حين تواصل التزامها بالسماح للأسواق بالاضطلاع بدور حاسم في تخصيص الموارد.

*حائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد، وأستاذ الاقتصاد في كلية شتيرن لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك، وكبير زملاء مؤسسة هووفر. وأحدث مؤلفاته كتاب "التقارب التالي: مستقبل النمو الاقتصادي في عالم متعدد السرعات".
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت.