السنة الماضية.. من يُغادر من؟

بعد يومين، تغادرنا سنة 2011 أو نغادرها نحن، لا فرق؛ لكنها ستبقى السنة الأم الولودة بالمعاني في رزنامة التاريخ العربي المعاصر. فقد اختلفت هذه السنة جذريا عن سابقاتها منذ عقود كما تؤكد الشواهد التاريخية. لقد أعادت هذه السنة الاعتبار والتأثير ابتداء لكل من معاني الجهاد الأكبر مع النفس، وإلى  الروح الجمعية واللغة والأشعار والجماهير العربية وأفعالها الحياتية. فقد أزهرت على أشجار شهدائها ورذاذ دمائهم الملونة ثمار حارة مطلعها أن الشهادة في مسيرتنا العربية الإسلامية هي الأصدق إنباء عن الفعل التحرري من الظلم على طريق التقويم الإصلاحي، مثلما هي الفعل التطهيري والنهضوي في مسيرة أمتنا من الجوع إلى الماء على الدوام.اضافة اعلان
في هذه السنة فقط أعيد إحياء الشعر العربي باعتباره كهرباء العرب. فقد توهج مجددا شعر أبي القاسم الشابي العربي من تونس بعد أن اعتقد البعض باندثاره أو كاد: "إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر"، أو عودة الموروث الشفاهي والغنائي الحماسي كما نسم من وجدان أهلنا في مصر وسورية واليمن، كل ضمن خصوصيته.
في هذه السنة عمت لغة الأخذ بالأسباب، وضرورة الاتعاظ والمفاوضة والمحاكاة مع ما قررته وصنعته الجماهير المعتصمة والثائرة في ساحات الحرية والتحرير العربية التي كادت أن تفقد دلالاتها الوجدانية لدى المواطنين لكثرة ما زيفها وتاجر بها حكام ومسؤولون. ولكنهم هذه المرة نوعان جديدان من التصنيف بين الحكام والمسؤولين العرب أنفسهم، سواء الذين غادروا أو من ينتظر منهم، من قِبل الجماهير الثائرة وبدرجات، والتي لطالما غيبوها وزوروا صناديق اقتراعاتهم الصورية منذ عقود أيضا.
هذه السنة على وشك العبور الى شقيقة أخرى هي 2012 لتجسد بحق معنى رفض التوريث السياسي والمالي القائم على سلب ثروات الشعوب ومواردها، إلى حد وصلت فيه ثروة بعضهم إلى المليارات الكبيرة، رغم أن حكمه الفردي وأفراد عائلته لم يتجاوز ثلاثة عقود بالمتوسط.
السنة الجديدة مرشحة للاستمرار على هيئة بوابة احتمالات، وبأن تتسع القاعدة الأم أيضا، أن الجماهير عائدة إلى مسرح حضورها في الاختيارات الديمقراطية الحرة نسبيا، وكذا في المتابعة والتشريع الذي يعبر عن توقها الغائب للآن في محاسبة الفاسدين وتحقيق العدالة وإعادة الحرمة للمال العام وسيادة دولة القانون والتعددية، بعد أن فقدت ثقتها كجماهير في مجالس النواب أو الشعب الصورية التي عينتها الحكومات السابقة في الأقطار العربية، وساهم جل الناخبين البسطاء في التصويت لها إما بالاكراه أو التزوير، عبر استفتاءات صورية أيضا لحكام سقطوا أو هزموا في السنة الأم 2011 تحديدا.
أخيرا، من سيغادر مع 2011؛ أهي الممارسات المؤذية التي سبقت السنة الموشكة على المغادرة بعقود، سواء أكانت أوجاعنا ومديونياتنا ونسب بِطالاتنا المهولة بعد أن خصصوا وجداننا التكافلي المفترض إنسانيا بين دولة المواطنين مع أمانيهم وحقهم في الحياة الكريمة، إضافة إلى اعتدائهم على حقنا كمواطنين في العمل والتفكير الحر كبشر، وفي الذروة منها إصرارهم على تجميد لغتنا كمنظومة ثقافية عند حدود التمجيد للقادة الملهمين أو الواحديين.. أم سننطلق صوب الغد الحداثي الديمقراطي بالمعنى العربي المسلم بحق، وهو يحاكي وجداننا الطوعي؛ متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟

[email protected]