السودان أيضا

د. محمد حسين المومني أعلن البيت الأبيض عن اتفاق تطبيع بين السودان وإسرائيل رافقه اتصالات هاتفية بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي والسوداني. الاتفاق تضمن أن يلتقي فريقان من البلدين– السودان وإسرائيل- لتطوير الاتفاقات في مجالات الملاحة الجوية والزراعة والهجرة. يأتي الاتفاق متوقعا وهو الثالث بعد أن سبقه اتفاقيتان بين كل من الإمارات والبحرين مع إسرائيل. مقابل هذا الاتفاق، أزالت الولايات المتحدة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقد تضمن ذلك أن تدفع السودان تعويضا لضحايا الإرهاب بمبلغ حوالي 350 مليون دولار. ستجني السودان مكاسب اقتصادية جراء رفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، الذي يعني ضمنا رفع عقوبات اقتصادية عانى منها السودان لسنوات طويلة، وقد كانت مؤذية لدرجة أنها دفعت بالسودان لدفع التعويضات وتوقيع اتفاق تطبيع مع إسرائيل للتخلص من العقوبات. للاتفاق رمزية تاريخية أيضا كون السودان وعاصمته الخرطوم عرفت بعاصمة اللاءات الثلاث بعد حرب 1967 التي أعلن العرب في قمتها لا للتفاوض ولا للاعتراف ولا للسلام مع إسرائيل. التوقعات أن دولا أخرى سوف تنضم لسلسلة اتفاقات التطبيع، المرشح منها: قطر، عُمان، المغرب، موريتانيا، والسعودية. من هذه الدول من تحتفظ بعلاقات سرية الآن مع إسرائيل، وما عليها سوى إعلانها من خلال اتفاقات التطبيع. المرحلة الجديدة مختلفة ومتسارعة، وقواعد اللعب السياسي القديم تبدو في تغير مطّرد. الجميع معني بتقييم قواعد العمل السياسي السابقة المرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي، وتقييم قواعد العمل الجديدة، والإجابة على سؤال محوري أساسي عن شكل وماهية الشرق الأوسط بعد عشرين سنة من الآن. الدول التي تنجح بتقييم القديم، وفهم قواعد العمل الجديدة، ستكون الأقدر على أن تكون جزءا من كتابة المستقبل وقواعد عمله القادمة، وأن تحافظ بالتالي على مصالحها المرتبطة بالتغييرات التي تحدث الآن. لا فائدة من التلاوم والعودة لأبجديات الصراع وبديهياته كما تراها بعض الدول، الزمن هو زمن الحكمة التي تقضي على الدول الحفاظ على مصالحها ما دامت قواعد العمل السياسي في تغير وتبدل. ما زال حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية هدفا معلنا للدول الموقعة على اتفاقات التطبيع، لكن فحوى وشكل هذه الأهداف سيحدده من يجلس على الطاولة ويتمتع بقدرة التأثير والاشتباك. الواضح الجلي أن سلام الغرف المغلقة لم يعد جزءا من قواعد اللعبة، وإنما الانفتاح والاشتباك الدبلوماسي الاحترافي بعيد عن لغة الأيديولوجيا العقائدية التي تهاجرها الدول العربية تباعا وبتسارع. الدول التي ستتمكن من الحفاظ على مصالحها هي تلك القادرة على رؤية المستقبل أو على الأقل التنبؤ ببعض ملامحه، عندها فقط ستكون قادرة على طرح وربما فرض رؤيتها على ديناميكيات التغيير التي تحدث الآن، والتي سوف تؤثر في كل الدول الجالسة وغير الجالسة على الطاولة. أن تجلس على الطاولة خير من أن تكون على قائمة الطعام (المنيو).اضافة اعلان