السودان القديم والجديد.. نذر دامية

(أرشيفية)
(أرشيفية)

تقرير خاص - (الإيكونوميست) 10/9/2011
ترجمة: عبد الرحمن الحسينياضافة اعلان
يواجه أحدث بلد في العالم؛ جنوب السودان، أول اختبار له بعد شهرين فقط من الإعلان عن قيامه، إذ بلغت دورة مميتة من الغارات على قطعان الماشية والهجمات الانتقامية أوجها في بلدة بييري الصغيرة في ولاية جونغلي، التي تعد واحدة من أفقر مناطق جنوب السودان وأقلها تنمية. وقد اجتاحها رجال مسلحون من مجموعة "مورل" العرقية عند الفجر، وأحرقوا الأكواخ، وذبحوا الأطفال أمام عيون أمهاتهم، وحملوا آلاف الأشخاص على الهروب إلى الغابات. وذكر أن أكثر من 600 شخص من "لو نوير" الاثنيين قد قتلوا، فيما اختطف 200 طفل وسرقت 25.000 بقرة.وكانت مجموعة "موري" تثأر بذلك، حيث كان 400 شخص قد قتلوا في شهر حزيران (يونيو) الماضي في مقاطعة "بيبور" على يد "لو نوير". وتعود الاشتباكات وراء إلى عقود، لكنها اشتدت في العام 2009 الذي شهد مقتل أناس في جونغلي أكثر مما قتل في دارفور، المنطقة الغربية من السودان التي تعصف بها النزاعات. وفي جونغلي، ما تزال قبيلة الدنكا والجيكاني نوير، بالإضافة إلى المورل ولو نوير تتقاتل حول قطعان المواشي التي تعد مصدراً حيوياً للثروة في مناطق جنوب السودان، لأن الشباب يريدون الاستئثار بها لتأمين مهور الزواج. وتشن غارات على قطعان الماشية في ولايات سودانية جنوبية أخرى أيضاً، لكن هذه الممارسة لا ترقى إلى الدرجة المميتة التي وصلت اليها في جونغلي.
ثمة عوامل جديدة جعلت الأمور أسوأ؛ فقد درج الشباب على غرس رماحهم في قطعان الماشية. والآن، وبعد عقود من الحرب الأهلية، أصبحت الأسلحة الأتوماتيكية متوفرة. وتقول الحكومة الجديدة في جوبا، العاصمة الحالية لجنوب السودان، إن حكومة البلد العاجز في الخرطوم وزعت الأسلحة على مجموعات موالية لها مثل "المورل" خلال أعوام الحرب، للإبقاء على الجنوب ضعيفاً.
والآن، تفضي أي غارة على قطعان الماشية إلى حدوث وفيات عديدة، ما يخلق تعطشاً أكبر للانتقام. ويقول جونغلي كيول حاكم مانيانغ: "المشكلة هي الفقر". وبالكاد توجد في المنطقة التابعة له أي طرقات مناسبة، ما يحول دون تمكن القوات الأمنية في الغالب من الوصول إلى المناطق المتوترة لحل المشاكل. إلى ذلك، تعد قوة الشرطة بائسة التجهيز، وما يزال الجيش ينفذ عملية التحول الصعبة من حركة رجال عصابات إلى قوة قومية محترفة. ويقترح بعض الساسة أن يتم دمج القوات التي لا ترتبط عرقياً بالجونغلي.
وتقول بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إنها ستساعد الجيش المتبرعم على إعادة فرض النظام، لكنها لم تجند سوى 150 جندياً لفترة محدودة، وهم متمركزون الآن في أكثر المناطق احتمالاً للتعرض للضربة في هجوم انتقامي. ومن جهتها، تقول الحكومة الجنوبية إن لديها خطة لنزع سلاح المدنيين ولمصالحة الأعداء القدامى من خلال استخدام قادة تقليديين ودينيين كوسطاء، بالإضافة إلى الإسراع في التنمية، بدءا بشق شبكة طرق جديدة.
ولن تكون مهمة نزع السلاح سهلة. ويقول زاخ فرتين من مجموعة الأزمات الدولية التي تتخذ من بروكسيل مقراً لها: "إن حملات نزع السلاح غير المتساوية والإجبارية في الأعوام الماضية عمقت العداوة بين المجتمعات العرقية، وقوضت الثقة في الحكومة". ويضيف: "وإلى أن يتم نزع سلاح المجموعات العرقية المجاورة بشكل متساو، مع تقديم البدائل الأمنية الكافية في أعقاب نزع السلاح، ستتردد المجتمعات في التقيد، وقد تستمر دورة العنف".ربما لن تفضي الغارات على قطعان الماشية إلى إسقاط الحكومة الجديدة. لكنها طالما كانت مستمرة، فستتوقف التنمية، وستتقوض الثقة في الحكومة، وسيبقى المستثمرون بعيدين. ومع استمرار سفك الدماء داخل جنوب السودان، ساءت علاقات البلد الجديد مع الخرطوم أيضاً، فقد اندلع القتال في ولاية النيل الأزرق، إلى الشمال مباشرة من الحدود الجديدة بين القوات الموالية للحكومة في الخرطوم ومجموعة معارضة تدعى حركة تحرير شعب السودان-الشمال، والمكونة من ثوار انحازوا إلى جانب القوات التي كسبت الاستقلال لجنوب السودان، لكنها أصبحت يتيمة على الجانب الخطأ من الحدود عندما ولد البلد الجديد.
ويتهم كلا الجانبين الجانب الآخر بالبدء في القتال. وقد هجرت عشرات الألوف عاصمة الولاية "دامازين". وقصفت القوات الجوية الشمالية معقل الثوار في "كورمك" الأقرب إلى الحدود مع جنوب السودان. ومنذ حزيران (يونيو) الماضي، ما فتئت حركة تحرير شعب السودان-الشمال تقاتل القوات الحكومية السودانية في جنوب كردفان التي تقع قبالة قطعة مركزية تقع إلى الشمال مباشرة من الخط الجديد. وبعد أن امتدت الحرب إلى النيل الأزرق في الأسابيع الأخيرة، أغلقت الحكومة السودانية في الخرطوم مكاتب حركة تحرير شعب السودان-الشمال في عموم السودان، واعتقلت العديد من أعضائها، كما تم توجيه الاتهام إلى جنوب السودان بمساعدة الرفاق السابقين عبر تزويدهم بالأسلحة والمال. وتقول الخرطوم إنها اشتكت على الحكومة الجديدة في جوبا لدى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة. والآن، لا يعد البلدان جارين جديدين صديقين بالضبط.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Sudan, Old and New: Bloody Omens