السوريون في الأردن: هل من خطط واضحة؟

على امتداد أكثر من عقدين، غيرت هجرات عديدة من طبيعة المجتمع الأردني، ليس من باب الإقامة المؤقتة، بل من الباب الواسع للإقامة الدائمة والتجنيس والتوطين.اضافة اعلان
وفي كل تلك الهجرات، لم يكن للحكومات المتعاقبة خطة واضحة المعالم للتعامل مع نازحين ولاجئين منذ أزمة الخليج في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وعلى شكل هجرات متتالية بدأت منذ العام 1991، ولم تنتهِ إلى اليوم.
منذ بداية العام الحالي، دخل إلى الأردن أكثر من 90 ألف لاجئ سوري، ليبلغ العدد الإجمالي للاجئين السوريين المسجلين رسميا نحو 400 ألف لاجئ، زهاء مائة ألف منهم في مخيم الزعتري في المفرق، ولكن غالبيتهم يعيشون في المدن والقرى والأرياف.
غير أن هذا الرقم لا يمثل العدد الحقيقي للسوريين المتواجدين في الأردن اليوم. فهناك آلاف غير مسجلين، وهناك مثلهم دخلوا بطرق طبيعية عبر الحدود في بداية الأزمة ولم يُسجلوا كلاجئين، ما يرفع العدد الإجمالي إلى مديات لا نعلمها.
هناك مناطق أصبح المكون السوري واضحا فيها بشكل جليّ. أما الأسواق والمطاعم في المدن، وخصوصا العاصمة عمان، فقد أصبحت تتكلم اللهجة السورية بـ"طلاقة"، بعد أن لجأ أصحاب العمل إلى الأيدي العاملة السورية زهيدة الثمن بالمقارنة مع الأيدي العاملة المحلية.
إن وجود هذا العدد الكبير خارج إطار الرقابة والسيطرة، لا بدّ أن يطرح تحديات كبيرة على المجتمع المحلي. فالسوريون المتواجدون بيننا لا يمكن أن يكونوا "على أتقى قلب رجل واحد"؛ إذ هناك من ينحاز إلى النظام السوري القائم، وآخرون ينحازون إلى المعارضة المسلحة، الأمر الذي يفتح الباب أمام أعمال انتقامية بين الطرفين قد نشهد أشكالها لاحقا.
حتى اليوم، تطرح المؤسسة الرسمية الأردنية الجانب الاقتصادي لاستضافة هذا العدد الكبير من اللاجئين، غير أنها لا تركز على الأبعاد الاجتماعية أو الأمنية لاستضافتهم، ولا تقول لنا إنها تسير ضمن خطة واضحة من أجل عدم السماح بأن يكون "الزعتري" والمخيمات اللاحقة تجمعات بشرية دائمة، خصوصا أن الأزمة السورية لا تبدو أنها في طريقها إلى الحل في القريب العاجل، إضافة إلى آراء الخبراء والمراقبين الذين يتوقعون حالة من عدم الاستقرار في سورية في فترة ما بعد النظام الحالي، قد تصل إلى حالة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي، ما سيؤخر عودة هؤلاء اللاجئين.
وحتى في طرحها للجانب الاقتصادي، تقتصر المؤسسة الرسمية على جانب كلف استضافة اللاجئين وإيوائهم وإطعامهم، من غير أن تتطرق إلى العبء الاقتصادي الذي يتحمله المواطن من خلال انحسار الفرص أمام العمالة اليدوية التي احتل السوريون مساحة واسعة منها.
لا نطلب هنا أن يتخلى الأردن عن دوره الأخوي والإنساني والديني والأخلاقي تجاه أولئك اللاجئين الذين ما كانوا ليخرجوا من وطنهم لو أن كل شيء على ما يرام،؛ بل نريد للأجهزة الرسمية أن تسير ضمن خطط منهجية في التعامل معهم، وحصر أعدادهم الحقيقية.
كما نطلب أن يكون تشغيلهم ضمن رؤية واضحة ومسجلة، وأن لا تتم المعاملة بين العامل وصاحب العمل. والأهم، أننا نطلب من حكومتنا أن لا تلجأ إلى تعظيم الجانب الاقتصادي على حساب الجانبين الاجتماعي والأمني.
علاوة على ذلك، فنحن لا نريد للأردن أن يصبح ساحة لتصفية الحسابات السياسية بين الجهتين السوريتين المتناحرتين، فنحن ما نزال نتذكر حتى اليوم جرائم التصفية السياسية التي نفذها عراقيون في عمان، والتي صدمت الجميع.

[email protected]