السوريون لا يعرفون "الوَلْوَلَة"

من المرجح أننا في الأردن سنبدأ، وربما بدأنا فعلاً، نشعر بأن الأزمة السورية دخلت في طور النهاية، وهذا جيد وطبيعي لنا وللسوريين. إن الحدود مسألة مهمة، فهي خط تواصل وميدان تبادل يتجاوز نقل السلع إلى نقل المشاعر والأحاسيس.اضافة اعلان
من الواجب، بعد أكثر من سبع سنوات على الحرب، أن نعترف ونسجل لأشقائنا السوريين أنهم شعب قليل "الولولة" ونادر الشكوى والتأسي. دعكم بالطبع من مشاهد التمثيل المعدة لغايات التصوير، والتي عرضت لأسباب سياسية دعائية، فربما كانت هذه الأزمة أكبر حدث سياسي يشهد هذا الحجم من الكذب والتزوير الإعلامي.
غياب "الولولة" شمل السوريين في الخارج وفي الداخل، سواء من أنصار النظام أو من خصومه على المستوى الشعبي. إنهم لا يتولولون عموما كشعب. فبالنسبة لخصوم النظام من المواطنين العاديين، فقد استأنفوا معركة تحدي ظروف اللجوء في الخارج، تماما مثلما استأنف إخوتهم من أنصار الدولة والنظام معركة الصمود ومواجهة الحرب والعدوان والإرهاب في الداخل. لقد اقتصرت الولولة على قسم من قادة المعارضة أو موظفيها.
لقد أتيحت لي فرصة التعرف الجماعي خلال زيارات على مدى أسبوعين لمخيم الزعتري، إضافة إلى التعرف على حالات فردية هنا وهناك.
لقد تفاجأ أحد مديري مخيم الزعتري عندما طلب أحد ساكني المخيم مقابلته، وعندما حصلت المقابلة، تبين أن مطلب اللاجئ هو تزويد السكان بشجرة لكل كرفان! أي شجرة لكل مسكن. وأوضح اللاجئ للمدير قائلاً: إن بقينا في المخيم يتحسن وضعه مع زراعة الشجر، وإن عدنا إلى بلدنا، سنترك لكم مساحة خضراء مشجرة في الصحراء.
لم تتم الاستجابة لمطلب التشجير، ومع هذا فإن أغلب الكرفانات اليوم محاط بحديقة صغيرة أو مزروعات للزينة والورود، وبعضهم استطاع تحصيل شجرة أو أكثر. هذا إضافة إلى ظاهرة إعادة تصميم وترتيب الكرفانات بحيث تتحول من مأوى إلى بيت بمكوناته السورية.
آخرون من سكان المخيم، أبدوا استعدادهم لتدبير حالة من الاكتفاء في بعض الشؤون، فطالبوا مثلاً بماكنات خياطة وتريكو متعهدين بتحقيق اكتفاء في الملابس. وبالطبع كان السكان فور إنشاء المخيم، قد بادروا إلى تنظيم التعليم تطوعا ووفق المناهج السورية لفترة محدوة، قبل أن يجري تنظيم التعليم بشكل جيد وبإشراف وزارة التربية الأردنية.
المبادرات في المخيم لا تتوقف، فقد صنعوا من الدراجة الهوائية ذات العجلتين وسيلة نقل متعددة الأشكال والأغراض، وذلك لأن السيارات ممنوعة لأهل المخيم.
في داخل سورية، تنقل التقارير مشاهد صبر وتحمل خرافية، فخلال السنوات الماضية، لم يكن السوريون ينتظرون انتهاء الأزمة ليعيدوا العمل والبناء، في شتى الميادين، وهناك تقارير مثلاً عن إعادة ترميم الآثار فورية، وهي لا تعد حاجة ملحة في مثل هذه الظروف، لكن لا عجب من هذه المواقف، بعد قصة مدير الآثار الشهيد خالد الأسعد ابن الثمانين عاماً، الذي رفض مغادرة تدمر عند دخول داعش إليها واختار عن سبق إصرار الموت بين الآثار.
لقد مارس السوريون لجوءهم خارج بلدهم، أو نزوحهم داخل بلدهم، بأقصى درجة ممكنة من التحمل، وكانوا شعبا صبورا مجدا مجتهدا مبدعا، من المؤكد أن ذلك سينعكس على إعادة بناء بلدهم.
من يدري؟ فربما نكون أمام تجربة إعادة بناء استثنائية، مثلما كنا أمام تجربة صمود ومواجهة استثنائية أيضاً، وخالية من "الولولة" كذلك.