السياحة .. فرصة للمراجعة..!

سلط وباء فيروس كورونا ضوءاً جديداً على أهمية قطاع السياحة في الأردن والناس المرتبطين به والمتأثرين بسويته. ومع أن أهمية هذا القطاع لا ينبغي أن تحتاج إلى وباء للتذكير بها، فإن أزمة السياحة الراهنة تعرض فرصة لإجراء مراجعة مستحقة لهذا الأصل الثمين من أصول البلد.اضافة اعلان
ثمة ضرورة لإفراد السياحة كأصل إستراتيجي منطوٍ على إمكانات كبيرة في بلد قليل الموارد، وبالتالي إيلاؤها الانتباه والاستثمار المناسبين بحيث ترتقي إلى مستوى تحقيق إمكاناتها الواعدة. وما مِن عوز في المرجعيات من تجارب الدول التي تُصنف كوجهات سياحية، والتي تقيم جزءاً كبيراً من اقتصاداتها وهوياتها على هذه الصفة. وهناك، يُلاحظ أن وجود المواقع الأثرية أو المشاهد الطبيعية لم يكن كافياً وحده لصنع سياحة في معزل عن التدخل الواعي لتأسيسها كصناعة، بخطط ولوجستيات وثقافة وتسويق.
تحتاج الموجودات السياحية إلى بنية تحتية تخدمها. ومن ذلك شبكات الطرق والنقل بين الوجهات. وعلى سبيل المثال، لا يجب أن يعرف عن بلد يريد أن يكون سياحياً سوء النقل، أو وجود طريق مهم يمكن أن يسمى «طريق الموت». وينبغي توفر بدائل الانتقال، بما فيها وسائل التنقل قليل الكلفة والمرتب بمواعيد والشامل لمختلف الوجهات. ومن البديهي أن الطرق يجب أن تكون آمنة، مرسّمة وجميلة، ومخدومة بالشواخص الإرشادية وبانضباط مستخدميها. وفي الحقيقة، كثيراً ما يكون مجرد الارتحال في الطرق المشجرة الجذابة متعة وحده، سواء كانت الحضرية أو الريفية. ويحتاج صنع المشهد البصري للمسارات السياحية إلى رؤى إبداعية وإرادة لا تبخل بالمال ولا الجهد من أجل المردود المتوقع.
والمواقع السياحية نفسها، يجب أن تُخدم جيداً، سواء من حيث المشهد الطبيعي والجماليات أو توفر وسوية الخدمات. لا يجوز أن تكون البتراء أو جرش أو غيرهما بلا مرافق صحية صالحة ونظيفة وكافية. وكذلك حال المتنزهات الوطنية والغابات. ولا ينبغي أن تكون المقاهي والمطاعم في تلك الأماكن عشوائية التكوين، لا تُراعى فيها الأصول الشكلية ولا الخدَمية ولا روح الضيافة. ولا ينبغي أن يُترك للغبار والتراب العاري أن يضفيا الوحشة والانقباض على الأماكن. يجب التدخل مع «الطبيعة» من أجل بعض الترتيب. وقد أنشئت واحات ومشاهد بصرية آسرة في الصحراء من العدم، بينما يعرض الأردن متنوع التضاريس والمشاهد خيارات لا تحصى.
تشكل ندرة المياه عائقاً أمام تخضير المشهد، لكن بالإمكان اجتراح الوسائل لتشجير جوانب الطرق والمحيط المباشر للأماكن السياحية على الأقل. وسوف يكون للإنفاق السخي على هذه الشؤون مردود حتمي. وثمة فارق بين الأماكن التي تكمن جمالياتها في بقائها بكراً، مثل وادي رم على سبيل المثال، والأماكن التي تجعلها الارتجالية والبدائية منفرة وبمظهر غير متحضر.
لا ينبغي أن تكون الراحة هي العنصر المفقود الأبرز في «الاستراحات» على الطرق السياحية. ويجب أن تكون نظيفة ومبدعة في خيارات الخدمة والموجودات، وأن يحصل الزائر على مقابل عادل للثمن الذي يدفعه. وكذلك حال أماكن الإقامة في الغابات والمحميات. ولا يجب أن يقل مستوى الخدمة عما تعد به المنشورات الدعائية، بحيث يشعر الزائر بالغبن فلا يكرر الزيارة ولا يوصي بها غيره.
يرتبط هذا كله بـ»ثقافة سياحية» يجب استنباتها وتكريسها في المكان والإنسان. قوامها شعور كل مواطن بأن المشهد الطبيعي والأماكن الأثرية هي أشياء تخصه وتنتمي إليه، وتشكل مصدراً لعيشه ورفاهه كمصدر لدخل بلده. وسوف تعني هذه الثقافة احترام الزوار – محليين أو أجانب- وعدم الإساءة إليهم بقول أو تحرش أو استغلال. وقد يجد البعض إغراء في رفع الأسعار أو الغش في الخدمة بقصد الربح السريع، معتقدين بأنهم استغفلوا الزائر، فيصنعون للسياحة والبلد سمعة سيئة ستنعكس حتماً على المردود طويل الأجل. ولا أنسى سائحَين عجوزين من ألمانيا، دفعا ثمن ملء خزان سيارتهما السياحية بالوقود، فقط لتضيء ساعة البنزين بمجرد عودتهما إلى فندقهما البعيد بضعة كيلومترات.
ينبغي أن تتولى الشرطة السياحية وجهات الرقابة ضبط هؤلاء وأن تكون متاحة للسياح المحليين والأجانب بسهولة لتلقي الشكاوى من الغش أو الاستغلال أو التحرش، ومعاقبة المسيئين مباشرة لأن المسألة لا تخصهم وحدهم.
سوف تكون اللوجستيات وتشجيع القطاع بالحوافز حتى ينافس بلا جشع، وتأسيس ثقافة السياحة واجب الدولة، والباقي على المواطنين وأبناء القطاع.