السيارات الهجينة والاقتصاد الأردني

لقد كان من المؤسف أن نقرأ في الصحف اليومية، أن الحكومة السابقة كانت بصدد إزالة الإعفاءات الجمركية عن السيارات الهجينة، والتي أقرتها الحكومة التي سبقتها، وأن هذا القرار لم يتم التراجع عنه إلا بعد تدخل مباشر من قبل سفير دولة مانحة عظمى. ومع أنه تم التراجع عن القرار حيث تحاشت الحكومة بذلك خطأ جسيما، غير أن الضرر كان وقع نتيجة انطلاق الإشاعات.

اضافة اعلان

إن مراجعة ما حصل يشير إلى أوجه ضعف هامة في عملية صياغة السياسات الاقتصادية في الأردن. انتهج الأردن سياسة إزالة الرسوم الجمركية ومعظم الرسوم الأخرى على السيارات الهجينة منذ منتصف 2008 لتحفيز جهود تقليل الانبعاثات الضارة من السيارات وبالتالي تحسين البيئة، وبما أن هذه الرسوم تصل إلى 100 % من قيمة الحافلة، توجه العديد من المواطنين لاقتناء هذه السيارات، وبالتالي تخفيض كلفة اقتناء ووقود السيارة وتحسين البيئة.

 في الأشهر الاحد عشر الأولى من 2009 دخل المملكة ما يقارب 4000 سيارة هجينة؛ ولكن حين بدأت الإشاعات تفعل فعلها، دخل الأردن 900 سيارة هجينه في غضون ثلاثة أسابيع، أي خمس ما دخل في الفترة السابقة، واستمر الذعر في الشارع العام ليصل عدد السيارات الهجينة إلى 6200 سيارة، أي بزيادة وصلت إلى 60 % نتيجة محاولة المواطن استباق السياسة المتوقعة.

 اعتبرنا الحافز بتخفيض الرسوم الجمركية، الذي يتناغم مع أفضل ممارسات حماية البيئة، من السياسات المحمودة والصديقة للبيئة في حينه، كما ابتدأت شبكات المدونات الاجتماعية مثل شبكة أردن مبدع بحملات توعية حول منافع هذه السيارات كتوفير 40 دينارا للسيارة في الشهر بالمتوسط والتي كانت ستنفق هباء.

 أي أن هذه السيارات ستوفر بعددها الحالي على المواطنين 3 ملايين دينار سنويا، وإذا انتشرت الممارسة فسيكون الوفر أكبر بكثير على مستوى الأردن. كما أن الوفر يمكن أن يتجه إلى أنواع إنفاق أفضل كتطوير النمط الاستهلاكي الغذائي والسكني.

وبالإضافة إلى تحسين البيئة وتجميلها من خلال مركبات جديدة وانبعاثات غازية أقل لأن هذه السيارات تستهلك وقودا اقل من السيارات العادية فإن هنالك وفرا إضافيا على مستوى الوطن يتم من خلال التقليل من حوادث السير.

وايضا انحسار الضغط على ميزان المدفوعات والدينار، ما يعني أن البنك المركزي سيحتاج إلى مخزون اقل من العملات الأجنبية، وسينخفض الإنفاق على إصلاح الطرقات، وينحسر الطلب على شبكات المواصلات العامة (وهي دون المستوى المطلوب) ما يعني تقليل الإنفاق الرأسمالي على الحافلات.

ولو أن القرار مضى في سبيله من دون تدخل السفير، ويا ليته يتدخل أيضا في إزالة السياسات الاقتصادية الأحادية الجانب التي اعتدنا أن تصدر بسرعة البرق، فإن إزالة الحوافز الجمركية كان سيضر بالاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة.

حيث ينأى المستثمرون عادة عن الدول التي يكثر فيها تقلب السياسات والتشريعات لأنها بذلك تعتبر بيئة تشريعية غير مستقرة مما يؤدي إلى إفشال المشاريع ذات المدى الطويل ويقود إلى استثمارات قصيرة الأمد تدخل في باب: اضرب واهرب.

من الواضح أن الفكر الاقتصادي الوحيد الذي كان وراء سياسة إخماد قرار حصيف سابق هو فكر محصل الضرائب، أي الفكر الجبائي، والذي يجب أن لا يسيطر أبدا على السياسات الاقتصادية في المملكة مهما ضاق الحال بالحكومة. كما أن حصول التخبط في صياغة السياسات الاقتصادية يشير إلى نقصين هامين في صياغة السياسة الاقتصادية: انعدام مشاركة الشارع الأردني في صياغة السياسات، وهيمنة الإدارة التشغيلية على الإستراتيجية في إدارة الاقتصاد الوطني.

يستحق الأردنيون والأردن أن لا تصدر سياسة أي سياسة أو قرار اقتصادي من دون احتساب موضوعي وموثق للمنافع والمضار، وهذا أدنى المطلوب!