السياسات الاقتصادية لمواجهة "كورونا" في العالم

تباينت ملامح السياسات الاقتصادية التي استجابت من خلالها الحكومات في مختلف أنحاء العالم لأزمة فيروس "كورونا المستجد"، ونتائجها العميقة على اقتصادات دولها.اضافة اعلان
الأسباب التي دفعت الحكومات لتطبيق سياسات اقتصادية بعينها، ليست القدرات الاقتصادية والمالية لهذه الدول، فيما إذا كانت دولا غنية ولديها وفورات واحتياطيات في موازناتها أم لا - على أهمية هذا الأمر- ولكن تمثل في رؤية حكومات مختلف الدول لدورها في حماية المجتمع من جهة، وأيضا حماية منشآت القطاع الخاص والعاملين فيها من جهة أخرى.
العديد من الحكومات وجدت نفسها أمام مسؤولية كبيرة للحفاظ على صحة اقتصاداتها والفاعلين فيه، سواء كانوا أفرادا أو شركات حكومية أو منشآت القطاع الخاص على اختلاف احجامها والعاملين فيها بشكل مباشر.
وتم ذلك من خلال تقديم الدعم المالي المباشر لهذه المؤسسات للحفاظ على العاملين فيها من جهة، وللحفاظ على قدراتها الإنتاجية من جهة ثانية، لتتمكن من الصمود في ظل حالة انكماش اقتصادي عالمي لم تشهده البشرية منذ الكساد الكبير الذي حدث في أواخر عقد العشرينات من القرن الماضي.
لا بل أن العديد من الحكومات قامت بتوزيع دعم نقدي مباشر للأفراد، وهذا الدعم لم يوجه للفقراء فقط، بل شمل الطبقة الوسطى أيضا، وذلك بهدف الحفاظ على قدراتهم الشرائية الاعتيادية، ولكي يتم دعم الطلب المحلي على الاستهلاك، الذي يعتبر المحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد، للتقليل من حدة وعمق حالة الانكماش الاقتصادي.
الإجراءات الحكومية أعلاه كانت مرافقة لتقديم تسهيلات ائتمانية للقطاع الخاص ميسرة من حيث أسعار الفائدة وفترات السماح ومدد تسديد القروض.
ونعود للتأكيد، أن دوافع المضي في تطبيق هذه السياسات لم تكن القدرات المالية العالية للدول والحكومات فقط، بل رؤية هذه الحكومات أن من واجبها دعم مواطنيها وشركاتها، اذ أن العديد من هذه الحكومات اضطرت للاستدانة لتغطية هذه النفقات.
هذه الإجراءات لم تكن مغامرات قامت بها حكومات لا تحسب حساب التبعات المستقبلية لهذا الانفاق الواسع على موازناتها، بل هي قرارات اتخذت بشكل عقلاني وراشد، تعاملت مع هذا النوع من الانفاق باعتباره إنفاقا رأسماليا، سينعكس إيجابا على حماية المستويات المعيشية للمواطنين، كجزء من دور الدولة في توفير الحمايات الاجتماعية، وسيحافظ على أكبر قدر ممكن من الوظائف والعاملين فيها، وسينعكس إيجابا أيضا على سرعة الخروج من حالة الانكماش الاقتصادي التي تعاني منها اقتصاداتها.
الملفت للنظر أن الحكومات التي طورت ونفذت هذا النوع من السياسات الاقتصادية، ليست فقط الحكومات التي تمثل أحزابا ذات طابع يساري - بمختلف أنواعها- تستند سياساتها على مبادئ دور الدولة المركزي في إدارة الاقتصاد، وتوفير الحمايات الاجتماعية الشاملة وقيم العدالة الاجتماعية وغيرها من المبادئ والقيم، بل نفذتها حكومات تصف نفسها بالأحزاب اليمينية -بمختلف أنواعها- ومثال ذلك حزب المحافظين في بريطانيا والحزب الجمهوري في الولايات المتحدة.
لجمع ما ذكر أعلاه، ما زال أمام الحكومة الأردنية خيارات عليها استخدامها، لدعم الشركات المتضررة والعاملين فيها من تداعيات هذا الوباء والعاملين فيها، والحفاظ على مستويات دخول العاملين فيها، من أجل وقف نزيف الوظائف والدخول الذي نعيشه يوميا، حيث نسمع مئات القصص عن عمليات فصل العاملين من العمل وعمليات تخفيض أجور العاملين بشكل كبير.
هذا النوع من الانفاق الذي نقترحه، هو إنفاق رأسمالي بامتياز، صحيح أنه سيشكل ضغطا على المالية العامة للحكومة، ولكنه سيحمي الاقتصاد والعاملين فيه، وسيعزز صمود المجتمع بكل مكوناته، وسيقلل من تكلفة الخروج من حالة الانكماش الاقتصادي العميق الذي نواجهه وسيستمر لسنوات ما بعد "كورونا".