السياسات المالية التقشفية أمام الحكومة الجديدة

بالرغم من أن الحكومة الجديدة ورثت من الحكومة السابقة اتفاقية جديدة مدتها أربع سنوات مع صندوق النقد الدولي تتضمن حزمة من السياسات المالية التقشفية، الا أننا نجد أن على الحكومة الجديدة بذل جهود لإعادة النظر بالعديد من مضامينها.اضافة اعلان
جوهر الاتفاقية الجديدة، كغيرها من الاتفاقيات التي وقعتها الحكومات الأردنية المتعاقبة مع "الصندوق" خلال العقود الثلاثة الماضية، يرتكز على التشدد في الإنفاق العام بشكل عام.
ولأن أوجه الإنفاق العام القابلة للتشدد في الإنفاق تقتصر على الأبواب الاجتماعية بمساراتها المختلفة مثل الرعاية الصحية والتعليم والحمايات الاجتماعية -وهذا ما يفسر تراجع جودة الرعاية الصحية والتعليم الحكوميين- والجميع يعلم أن حاجات المواطنين لهذه الخدمات الى جانب الحمايات الاجتماعية ازدادت مؤخرا جراء تداعيات وباء كورونا، فإن هنالك حاجة ماسة لزيادة الإنفاق على هذه الأبواب وليس تجميدها.
العارف بتفاصيل الاقتصاد الوطني ومحركاته يدرك أن المزيد من السياسات المالية التقشفية من شأنه أن يعمق حالة التراجع الاقتصادي التي يعاني منها منذ عشر سنوات، وتحول الى حالة انكماش جراء وباء كورونا، إضافة الى أن هذه السياسات ستوسع مساحة الفقر وتعمقها، وتعمق حالة اللامساواة الاقتصادية -التفاوت الاجتماعي- وهذا يدفع الحكومة الى تطبيق سياسات تعاكس أولويات وحاجات الاقتصاد والمجتمع؛ اذ نحن في الأردن بحاجة الى تحفيز الاقتصاد وتعزيز الحمايات الاجتماعية.
هذا الى جانب أن تجربة الأردن في تطبيق السياسات المالية التي يشترطها صندوق النقد الدولي منذ ثلاثة عقود -مع فترة توقف قصيرة- لم تسهم في تخفيض عجز الموازنات العامة للدولة، ولا تخفيض الدين العام، لا بل فاقمتها، وبالتالي فإن ما تهدف اليه هذه الاتفاقيات لم يتحقق.
لا نذيع سرا بقولنا إن ما يهم صندوق النقد الدولي، تقليص النفقات الحكومية قدر الإمكان، وزيادة الإيرادات الحكومية أيضا قدر الإمكان، لتمكين الحكومات من تسديد التزاماتها تجاه الدائنين، الى جانب دفع الحكومات الى تطبيق خيارات اقتصادية تعتمد فلسفة اقتصاديات السوق الحرة الخالية من أي التزامات اجتماعية للحكومات تجاه مجتمعها.
لذلك نجد أن مختلف السياسات المفروضة من "الصندوق" على الحكومات المرتبطة معها باتفاقيات تذهب باتجاه الضغط على الأجور، وزيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وإلغاء كل أشكال الدعم للسلع الأساسية والقطاعات الاقتصادية الاستراتيجية.
ندرك أن إجراء تعديلات على بنود الاتفاقية التي وقعتها الحكومة قبيل دخول البلاد بإجراءات الإغلاق الاقتصادي بأيام ستواجه بعقبات من قبل الصندوق وخبرائه، ولكن أولوياتنا الاقتصادية والاجتماعية في الأردن تتطلب بذل جهود لتعديلها.
هذه ليست مشكلة الأردن وحده، بل هي مشكلة مختلف الدول التي ترتبط مع الصندوق باتفاقيات ثنائية بمسميات مختلفة، ويمكن للحكومة الجديدة الاستفادة من الزخم العالمي الرامي الى إجراء تغييرات في اشتراطات صندوق النقد الدولي في هذا المجال؛ إذ شارك ما يقارب 500 مؤسسة مجتمع مدني من مختلف أنحاء العالم الأسبوع الماضي في إعداد رسالة الى رئيسة صندوق النقد الدولي لمطالبتها بالتخلي عن فرض سياسات مالية تقشفية على عشرات الدول، في الوقت الذي تحتاج فيه هذه الدول الى تعزيز حماياتها الاجتماعية وتحفيز اقتصاداتها للخروج من حالة الانكماش التي تعاني منها.