السياسة الداخلية: أين الخلل؟

مثلت جائزة تمبلتون التي فاز بها جلالة الملك لعام 2018 فرصةً لتقييم السياسة الخارجية التي يرسمها الملك، فهي سياسة تمكنت من دفع الأذى عن الأردن وحققت عددا من المكاسب أهمها ذلك الاحترام الدولي الذي يتمتع به الأردن. لذلك هنالك من يطرح تساؤلا مهما يتعلق بنجاح السياسة الخارجية وتواضع النجاحات في السياسة الداخلية.اضافة اعلان
من دون لت ولا عجن، يمكن القول بأن السياسة الخارجية هي ملف بيد الملك وهو من يرسمها ويديرها، فهو الأكثر اطلاعا على ما يجري في خارج الأردن ويعرف أكثر من غيره أهمية الاشتباك الإيجابي مع العالم الخارجي لأن من شأن ذلك أن يساهم بتحقيق مكاسب اقتصادية لسد العجز في الموازنة. فالملك يقضي وقتا كبيرا في التفكير في السياسة الخارجية وفي إيجاد نقاط تقاطع مع المجتمع الدولي. ويؤكد على ذلك استطلاعات الرأي التي تبين أن غالبية الأردنيين تفيد بأن السياسة الخارجية ناجحة بشكل كبير. وحتى لو كان هناك من يختلف مع هذه السياسة ولا يوافق عليها إلا إنهم يعترفون بنجاحها في تحقيق ما تصبو اليه، الحديث عن استطلاعات الرأي بشيء من التفصيل ليس واردا الآن لضيق المساحة لكن ما أود قوله هو أن تقييم الشارع الأردني الإيجابي للسياسة الخارجية للدولة الأردنية يقابله تقييم سلبي للسياسة الداخلية.
هناك فريق مقرب من القصر يرى بأن سبب نجاح السياسة الخارجية يعود لكونها ملفا ملكيا بامتياز، فلا توجد مؤسسات منخرطة في السياسة الخارجية، لذلك لا مجال لتأثيرات بيروقراطية سلبية أو تدخلات من هذه الجهة أو تلك. تحدثت يوم أمس (الجمعة) إلى عدد من الشباب في البحر الميت عن السياسة الخارجية وسألني أحد المشاركين عن سبب تراجع السياسة الداخلية مقابل نجاح السياسة الخارجية. طبعا، لو تمعنا بالسياسة الداخلية وركزنا بشكل مايكروسكوبي على الحكومة لوجدنا غياب البرنامج. فمثلا، ما هو برنامج حكومة الرزاز لمعالجة كل ما من شأنه أن يمس حياة المواطن العادي. ما هو برنامج حكومة الرزاز للتعامل مع التحديات الحقيقية التي تواجه المجتمع الأردني (بطالة، فقر، والارتفاع الجنوني للأسعار).
لم تنجح حكومة الرزاز لغاية الآن في طمأنة الشارع الأردني بأنها قادرة على صناعة الفرق، وعلى الرغم من درجة التفاؤل المرتفعة نسبيا بحكومة الرزاز عند تشكيلها إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع نسبة التفاؤل بنسبة كبيرة جدا. وزاد من الطين بلة الطريقة التي عالجت بها الحكومة الكوارث التي حلت بالناس نتيجة للفيضانات في مناسبتين في أسبوعين. والمدهش أن كل ما تقوله الحكومة أصبح مادة للتندر على وسائل التواصل الاجتماعي.
تغييرات الحكومة الكثيرة تعكس أن جلالة الملك غير راض عن أداء الحكومات في العقدين السابقين، ففي كل مناسبة يظهر وكأن الملك متقدم على حكومته في كل شيء، فهو يسبقها بخطوات في كل ملف تقريبا.
يبقى السؤال؛ لماذا الإصرار على نفس الشخصيات تقريبا لتولي المسؤوليات وكأننا بصدد لعبة الكراسي الموسيقية؟ كيف غابت عن بال المسؤولين أن هناك الكثير من الكفاءات التي كان من الممكن أن تساهم بشكل كبير في تغيير قواعد اللعبة السياسية. ألم تقرع الاحتجاجات الأردنية على توزير البعض ناقوس خطر؟!
ما أود أن أقوله أن جزءا كبيرا من مشاكلنا الداخلية سببه السياسات، ولغاية الآن تعيش النخب السياسية في حالة من النكران المرضي، فموقفها الذي يرتكز على مقولة أن هناك مشككين بالإنجازات الأردنية ما هو إلا سحابة دخان تخفي خلفها حالة من العجز والقصور وعدم القدرة على فهم المرحلة، ناهيك عن إيجاد حلول لهذا النوع من العجز والقصور.