السير بين المعارك

شبان فلسطينيون خلال مواجهات مع قوات الاحتلال في مخيم جنين- (أرشيفية)
شبان فلسطينيون خلال مواجهات مع قوات الاحتلال في مخيم جنين- (أرشيفية)

معاريف

بقلم: تل ليف رام

اضافة اعلان

بين إيران وبين غزة وجنين، يوجد الجيش الإسرائيلي في ذروة مناورة شهر الحرب "مركبات النار". كلما استمر التصعيد الأمني وموجة العمليات لزمن أطول، من غير المستبعد أن تجد روائح الانتخابات المقتربة الطريق لخروج الجدال العميق بين رئيس الوزراء بينيت ووزير الدفاع بيني غانتس. في السطر الأخير، حتى لو كان بينيت يسعى لأن يتصدر خطا صقريا أكثر، في نهاية المطاف فإن الصوت السائد في اتخاذ القرارات هو لجهاز الأمن الذي يتمتع بتأييد أغلبية كبار الوزراء في الحكومة.
في الواقع الناشئ يكاد لا يكون هناك حدث عملياتي أو قرار عسكري لا يتلقى على الفور تفسيرا سياسيا: من سقوط نوعم راز في المعركة في أطراف جنين عبر العملية الجارية وحتى قرار قادة جهاز الأمن لتغيير مسار مناورة الفرقة التي كان يفترض أن تجرى الأسبوع المقبل في شوارع أم الفحم. كل حدث أو قرار يترجم على الفور الى تغيير ظاهر في سياسة إسرائيل، بسبب الاعتماد السياسي على الموحدة ومنصور عباس.
إن المسؤولية التي على كاهل الجيش الآن كبيرة على نحو خاص. ففي غير صالحه علق الجيش الإسرائيلي في فترة معقدة كل عمل له فيها، كل خطأ عملياتي وغير قليل من القرارات تنجر على الفور الى ساحة الوحل السياسي. أما الحقيقة فهي أنه حيال الساحة الفلسطينية في الضفة وفي قطاع غزة فلم يطرأ أي تغيير في الطريقة التي يتصرف بها الجيش. سياسة رئيس الوزراء نفتالي بينيت في السنة الأخيرة لا تختلف عن سياسة بنيامين نتنياهو في السنوات السابقة.
مع أن الجيش الإسرائيلي يستعد لإمكانية أن يضطر لخوض حملة في جنين لكنه يفهم مضاعفاتها أيضا. المعطى المشجع قليلا هو أنه مقابل ما يجري في جنين ومحيطها وقليلا في نابلس، فإن التصعيد في المناطق لا ينتقل في هذه المرحلة الى مناطق كثيرة.
إن محاولات العمليات التي تستلهم عمليات سابقة مثل تلك التي أحبطت قبل بيت ايل، ما تزال هنا، لكن حجم العمليات، أعمال الإخلال بالنظام وحتى كميات الأحداث الشاذة بين اليهود والعرب على خلفية نزاعات الجيرة السيئة، ليست في ميل ارتفاع واضح في هذه المرحلة. رغم شهرين من التوتر الأمني، تنجح قيادة المنطقة الوسطى في الحفاظ على توازنات صحيحة بين الحرب ضد الإرهاب وإدارة أنسجة الحياة المدنية المعقدة في الضفة.
مخيم اللاجئين جنين هو استثنائي. فقد وفرت إسرائيل للسلطة الفلسطينية كل الفرص لأن تكون هي التي تقيم النظام هناك. لكن بشكل غير مفاجئ كانت حملات أجهزة الأمن الفلسطينية استعراضية أكثر مما هي ذات معنى حقيقي. ما يجري في مخيم اللاجئين جنين وميول التصعيد يتعين على إسرائيل أن تحله بنفسها.
في هذه المرحلة، يعتقد الجيش الإسرائيلي بأن النشاط المركز لاعتقال مطلوبين يسبق الحاجة الفورية للحملة. وفي هذه الأثناء تجري معظم أعمال الجيش في أطراف مخيم اللاجئين وليس في داخله، لكن معقول الافتراض أن في الفترة القريبة سيعمل الجيش الإسرائيلي في قلب المخيم أيضا وهناك حجم المقاومة كفيل بأن يكون أعلى ومن مسافات قصيرة.
مقاتلون قتلى كثيرون أو لا سمح الله تعقيدات تعلق فيها عملية لنا كفيل بأن يسرع المسيرة الى حملة أوسع في مخيم اللاجئين والتي ستؤثر باحتمالية عالية أيضا على ما يجري في قطاع غزة. كل هذا يوجد في قلب اعتبارات قيادة المنطقة الوسطى في اختيار الحجم والتوقيت لأعمالها في مخيم اللاجئين والذي يستثنى منه هو الإحباط الفوري لشبكات توجد في مراحل التخطيط لتنفيذ عملية.
من ناحية الجيش، فإن النموذج الناجح لحملة الاعتقالات هو ذاك الذي نفذ في قرية بورقين يوم الأربعاء. دخول سريع، في هذه الحالة في ساعات الصباح المبكر، وقطع اتصال سريع حين يكون المطلوب في أيدي قواتنا دون أن ينجح مخيم اللاجئين في فهم ما يحصل. أهداف الأعمال تكتيكية -اعتقال مطلوبين، كشف وسائل قتالية وما شابه. ومع ذلك فإن النشاطات العملياتية للقوات في الميدان كفيلة بأن تكون مضاعفات واسعة خارج مخيم اللاجئين نفسه.
لقرار بحملة واسعة في مخيم اللاجئين توجد منذ الآن مضاعفات أخرى وفي هذه اللحظة ليست هذه توصية جهاز الأمن الذي يريد الامتناع عن تصعيد إضافي في الساحة الفلسطينية يسحب المقدرات من الساحات الأخرى. ولكن كما هو معروف، الوضع في الميدان كفيل بأن ينهي واقعا آخر.
وعاء ضغط
أسبوع فقط مر منذ حملة اليمم التي سقط فيها الرائد نوعم راز بنار مهاجمين في أطراف المخيم في بورقين. وكما نشرنا في "معاريف" تؤكد محافل أمنية بأن اعتقال المطلوب محمود الدبعي في العملية التي سقط فيها راز كان مرتبطا أيضا بالتحقيق في موت صحفية "الجزيرة" شيرين أبو عاقلة.
ينبغي التشديد بأن جهاز الأمن العام "الشاباك" صنف الدبعي كهدف للاعتقال ونقل تفاصيله الى الجيش حتى قبل الحادثة التي قتلت فيها الصحفية. وأشير الى المطلوب الذي اعتقل كمن يقف خلف حالات عديدة من إطلاق النار نحو القوات في أثناء نشاطات عملياتية في منطقة مخيم اللاجئين، وعليه فآجلا أم عاجلا كان سيعتقل ولكنه لم يصنف كهدف في الحاح عال. سلم الأولويات يقرره في نهاية المطاف الجيش، ويبدو أن اختيار توقيت العملية صباح يوم الجمعة في صالح إمكانية أن يصب الدبعي ضوءا على تحقيق موت أبو عاقلة، كان وزنا كبيرا.
اختير اليمم لتنفيذ العملية المهمة بسبب خبرته العالية. وكان التقدير أن ينتهي الاعتقال في غضون وقت قصير بعد محاصرة البيت لكن للمطلوب ولأخيه كانت خطط أخرى. في البداية ادعى أبناء عائلته أنه ليس في البيت، وهو لم يطلق النار نحو القوات، وفقط بعد أن بدأ البيت بالاحتراق كنتيجة لإطلاق الصواريخ المضادة للدروع نحوه، سلم هو وأخوه نفسيهما لليمم. كان هذا بعد ثلاث ساعات ونصف من "وعاء الضغط" حول البيت في أنه كانت تمطر من جهة مخيم اللاجئين نار لا تتوقف نحو القوات.
الزمن الطويل الذي استغرقه الاعتقال جعل ساحة القتال حول البيت، في مسافة مئات أمتار قليلة، معقدة جدا. خبرة قوة اليمم شكلت اعتبارا لمواصلة الاعتقال كما كان مخططا في تدرج بطيء للوسائل حتى إطلاق مضاد الدروع رغم الساعات التي انقضت والنار الكثيفة من المحيط. يحتمل أن يكون إحساسا مبالغا فيه بالأمان، نبع من القدرات العالية جدا للوحدة وأدائها في الميدان هو الذي أدى بالقادة لأن يقرروا استمرار المهمة حتى استكمال تنفيذها.
قوات اليمم في الدائرة الأولى عنيت بوعاء الضغط وبالاعتقال نفسه. من ناحية المسلحين الفلسطينيين أصبحت المعركة مع مقاتلي الجيش الإسرائيلي هي الأساس. في معظم الحالات تمت النار من مسافات طويلة، خلف دائرة الحراسة حول البيت، الأمر الذي نفذه مقاتلو اليمم وسييرت غولاني.
نجح المقاتلون في أن يعزلوا جبهة العمل على مدى ساعات، لكن بالضبط في هذه النقطة، الى جانب التفوق الواضح لمقاتلي الجيش نوعيا، كان الجيش يحتاج أساسا الى قدرات جوية من مروحية قتالية ووسائل تكنولوجية متطورة كالحوامات المسلحة كي يوفر للمقاتلين في الميدان التفوق اللازم على العدو. يحتمل أن يكون استخدام مفاعيل نار أخرى وقتل مسلحين منذ المراحل الأولى من القتال سيقلل شدة المقاومة. كجزء من التحقيقات التي تجرى الآن للحملة، في الجيش سيفحصون كيف يمكن أن يدمجوا بنجاعة قدرات إضافية للمساعدة بالنار المقاتلين الذين يوجدون في الميدان.
إن مسألة اختيار التوقيت العاجل لتنفيذ الاعتقال، بما في ذلك بسبب العلاقة بالتحقيق في موت الصحفية تثير في الخطاب الجماهيري انتقادا لاذعا وشرعيا. الى جانب هذا جدير أن نذكر أنه ليس كل عملية يمكن امتحانها وفقا لامتحان النتيجة التي لم يتوقعها أحد.
حتى لو ارتكبت أخطاء في التفكر، ومن هذه الحملة يجب استخلاص الكثير من الدروس فإن الادعاءات على القادة وكأنهم تركوا الجنود لمصيرهم خطيرة وغير مسنودة. بالضبط مثلما اقترح ادعاء غير مسنود مشابع بعد سقوط برئيل حداريا شموئيلي على حدود القطاع بشأن اعتبارات غريبة وسياسة من فوق أدت الى موته.
الحدث الأخير أيضا بالتأكيد لا يرتبط بأي شكل كان بسياسة الحكومة، مثلما تحاول محافل سياسية الآن عرض الأمر. لا مجال لجني مرابح سياسية من الحدث وبالتأكيد لا مجال لتشجيع نظريات المؤامرة عديمة الصلة. إن استخدام الألم والثكل عقب حدث عملياتي لم ينجح بالضرورة هو استخدام تهكمي ورخيص على نحو خاص.