السيطرة على "الاقصى" حلم إسرائيلي عابر للحكومات

منظر عام للمسجد الاقصى -(الغد)
منظر عام للمسجد الاقصى -(الغد)

برهوم جرايسي

القدس المحتلة - لا يغير من واقع سياسة الاحتلال الإسرائيلي شيئا إعلانه أنه لا يريد تقاسما زمانيا في المسجد الأقصى، وهو ما تؤكده شواهد مستمرة منذ سنوات تبرز في طليعتها الاقتحامات المتكررة لعصابات المستوطنين للمسجد تحت حراب الاحتلال.
الزائر للقدس المحتلة يهيمن عليه منذ لحظة وصوله، خصوصا عند أسوار البلدة القديمة، شعور طاغ بعظمة المكان الاستثنائية، وإرادة صمود مدينة تتعرض لخطة اقتلاع منهجي وتشي أجواؤها بحالة اغتراب تحت حراب المحتل.   
الدخول في الصباح الباكر من باب العمود الى السوق المركزي الأكثر نشاطا في البلدة القديمة، يميط اللثام عن مدينة ما تزال تتثاءب، غالبية حوانيتها مغلقة، أو تتلكأ في فتح أبوابها، على الرغم من أن غالبيتها تبيع الاحتياجات الأساسية، بيد أن حصار الاحتلال الذي أنهك المدينة، أنتج وتيرة خاصة لحركة حياة، يبدو أن سمتها الرئيسية هي العزيمة في مواجهة التهويد والصمود والتحدي.
بعد مشي في طرقات المدينة وأزقتها، يدلف السائر الى بوابات المسجد الأقصى المبارك، التي تعلو فيها أصوات التكبير، بحناجر الصغار والكبار، في مؤشر على أن عصابات المستوطنين شرعت في اقتحام الأقصى، تحت حراسة مشددة من جيش الاحتلال، إذ تبدأ استفزازاتها بعيد السابعة صباحا وحتى الحادية عشرة قبل الظهر.

اضافة اعلان

خلال التقدم في باحات المسجد، يهيمن شعور بسطوة المراقبة العسكرية التي تفرضها آلة الاحتلال التي تنشر مجموعات من الجنود في أنحاء المكان مهمتها حراسة المستوطنين في جولاتهم الاستفزازية.
ويشهد المسجد الأقصى في السنوات الأخيرة، وبشكل شبه يومي ومتصاعد، اقتحامات لعصابات المستوطنين، التي تبادر لها عصابات بتسمية "جمعيات"، تسعى الى جذب أعداد كثيرة يوميا من المستوطنين، خصوصا من التيار "الديني الصهيوني" لاقتحام المكان، تحت تسمية "زيارة"، ولكن الهدف الأساسي من هذا، فرض أمر واقع بتواجد دائم لليهود، الزاعمين أنه مكان ما يسمى "هيكل سليمان"، وهو ما يدحضه خبراء آثار إسرائيليون.
وتستند عصابات المستوطنين إلى حكومة اليمين المتطرف، التي تقدم لهم الدعم اللوجستي والمادي، وهذا ما يجعلهم يشعرون أن المرحلة مناسبة لهم، للمطالبة بوجود يهودي دائم في المسجد الأقصى، والمطالبات "متنوعة"، من بناء "الهيكل" المزعوم، أو تخصيص مكان لصلاة اليهود، أو تفريغ الأقصى من المسلمين كليا، في ساعات اقتحامات المستوطنين، وغيرها من المطالبات.
خلال الشهرين الماضيين، خصوصا في شهر رمضان المبارك، شهدت المدينة المقدسة إقدام سلطات الاحتلال على إغلاق أبواب الأقصى، لتفرض قيودا مشددة وتمنع الغالبية الساحقة من المسلمين من دخول المسجد، في ساعات اقتحام عصابات المستوطنين، حتى بدا وكأن الاحتلال، يسعى الى جس نبض احتمال تغيير الوضع القائم في الأقصى، ولكن في الأيام الأخيرة تراجع الاحتلال عن هذه الإجراءات، لكنه لا يوجد أي ضمان بعدم تكرار المحاولة مستقبلا.
الاحتلال يتراجع
يقول الشيخ عزام الخطيب، مدير عام دائرة الأوقاف، في حديث إلى "الغد"، إنه من الناحية الفعلية لا يوجد "تقاسم زماني" في المسجد الأقصى، بل كانت هناك محاولات لفرض واقع كهذا، من خلال منع المصلين من دخول المسجد، قبيل وخلال وبعد شهر رمضان المبارك، من ساعات الصباح الأولى، وحتى الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، وهي الساعات التي تجري فيها عمليات اقتحام المستوطنين لباحات الأقصى.
وأضاف أن قرار المنع كان أحيانا شاملا، ولكن على الأغلب كان الاحتلال يستثني من أمر المنع المتقدمين بالسن، إذ كانت قوات الاحتلال تغلق أربعة أبواب مركزية للمسجد الأقصى، وهي القطانين والحديد والغوانمة والملك فيصل، وتبقي على باب واحد، إضافة إلى باب المغاربة، الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال.
وتابع الخطيب موضحا: "لاحقا تمادت سلطات الاحتلال، وحاولت أن تفرض حظر دخول المواطنين الفلسطينيين، حتى إلى البلدة القديمة، ومنع التجار من فتح محالهم قبل الساعة الحادية عشرة ظهرا، إلا أنه أمام غضب الأهالي، وبالذات، أمام ضغط الحكومة الأردنية مباشرة، بتوجيهات من جلالة الملك، فقد تراجعت سلطات الاحتلال عن هذه الإجراءات القمعية والاستبدادية، ثم حاولت أن تكرر الاجراءات ذاتها،عشية الأعياد العبرية في الأيام الحالية،  ورأينا انتشارا محدودا لعناصر من قوات الاحتلال في أماكن متفرقة، من تلك التي تصل إليها عصابات المستوطنين، خلال اقتحاماتهم للمسجد الأقصى".
ويشير الخطيب، إلى أن الاحتلال يصدر كثيرا من قرارات الإبعاد عن المسجد الأقصى، لعشرات المواطنين، ولكن في كثير من الأحيان، يجري إبعاد شخصيات دينية وشعبية، وحتى موظفين في المسجد ودائرة الأوقاف، ففي هذه المرحلة، هناك سبعة موظفين من دائرة الأوقاف ممنوعون من دخول المسجد الأقصى، وتستمر فترات الإبعاد من بضعة أسابيع إلى بضعة أشهر.
يقول الخطيب "هذا هو الوضع القائم حاليا، ولا نعلم كيف ستتطور الأمور، فبعد أسابيع قليلة ستبدأ الأعياد اليهودية، التي تستمر زهاء شهر، وعادة ما يكثف المستوطنون اقتحاماتهم لباحات المسجد المبارك". 
عدا ذلك، يشير الخطيب إلى أن سلطات الاحتلال تضع بشكل دائم عراقيل جمّة، أمام غالبية الأعمال التطويرية، والصيانة في المسجد الأقصى، "فحتى الآن، ما يزال الاحتلال يعترض على مشروع تطوير شبكة إطفاء الحريق في المسجد، وهو مشروع ينتظر التنفيذ منذ فترة طويلة جدا، كما يعرقل مشروع تهوية قبة الصخرة المشرّفة، ويمنع إخراج مخلفات الإعمار، ويمنع ترميم أعمدة المسجد المرواني، وتضاف إلى كل هذا، محاولات سلطة الآثار التابعة للاحتلال، فرض أنظمتها على المسجد الأقصى، الذي هو ضمن منطقة محتلة، بموجب القرارات الدولية، ولا يجوز للاحتلال أن يفرض عليه أنظمته".
وأكد الخطيب على الدعم الأردني الدائم للمسجد الأقصى وبسخاء، لكافة المشاريع التطويرية والصرف الجاري على المسجد وهيئاته، إذ إن احتياجات المسجد تتلقى دوما التجاوب من الحكومة الأردنية، وبأمر من جلالة الملك عبدالله الثاني، فقبل بضعة أشهر صادقت الحكومة الأردنية، على زيادة 50 حارسا إضافيا، لحرس المسجد المبارك.
ما بين السياحة والاقتحامات
إلى جانب اقتحامات المستوطنين الاستفزازية، تزور المسجد الأقصى مجموعات سياحية من دول العالم، وكان المسجد يستقبل بشكل دائم جموع السياح، إلا أنه منذ منتصف العام 2003، كما يشير الخطيب، فإن سلطات الاحتلال تمنع السياح من دخول المسجد الأقصى، إلا من خلال باب المغاربة، الواقع تحت السيطرة الكاملة لقوات الاحتلال، إذ يمنع عناصر الاحتلال أي سائح أجنبي من دخول المسجد من الأبواب الأخرى، ويأمرون السياح بالتوجه إلى باب المغاربة، وفي هذا انتقاص من السيادة على المسجد الأقصى.
الخطيب يؤكد: "لسنا ضد السياحة الأجنبية، ولكننا نريدها أن تكون كما كانت على مدى السنين الماضية، تحت سلطة وإشراف دائرة الأوقاف".
المسؤول الإعلامي في دائرة الأوقاف، فراس الدبس، أوضح أنه عادة كان السياح يدخلون لزيارة الأقصى، تحت إشراف دائرة الأوقاف وإدارة المسجد الأقصى، بعد ضمان اللباس المحتشم، وكانت تجبى رسوم من السياح، تشكل دخلا ماليا للمسجد، ولكن كل هذا الآن ليس قائما.
وخلال جولتها في المسجد الأقصى، شاهدت "الغد" مجموعات سياحية من دول مختلفة، تزور باحات المسجد، وتستمع لشروحات من مرشديها، دون حراسة من قوات الاحتلال، أو اعتراض من المصلين وزوار المسجد.
الاحتلال يستفز المسلمين في عقيدتهم
وفي حديث إلى "الغد"، يقول سماحة الشيخ عبدالعظيم سلهب، رئيس دائرة الأوقاف، إن وسائل الإعلام الإسرائيلية تحاول تسويق ما يسمى بـ"التقاسم الزماني"، وأنا أرفض هذه المسميات، ولن نسمح بها، فالمسجد الأقصى هو للمسلمين وحدهم، وليس لليهود أي علاقة به، وما قامت به سلطات الاحتلال في الأسابيع الأخيرة، من منع غالبية المصلين من دخول الأقصى، وخاصة في أيام الجمعة، وأبرزها في ليلة القدر، هو إجراء استبدادي غير مسبوق، فكيف يمنع المصلون، حتى أبناء القدس والبلدة القديمة، من دخول مسجدهم، ليضطروا للصلاة في الشوارع والأزقة ومن خلف الأسوار، هذا عدا عن منع المواطنين من الضفة من الوصول إلى القدس، إن هذا استفزاز للمسلمين في عقيدتهم، وفي أقدس مقدساتهم، المسجد الأقصى.
ودعا سلهب المواطنين من القدس وخارجها، ممن يستطيعون الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك، أن يكثفوا من زياراتهم، وتواجدهم في رحاب المسجد، للوقوف في وجه هذه الهجمة التي تستهدف وجودهم، "كما أن أمتنا العربية والإسلامية مطالبة هي أيضا بدعم المرابطين في القدس، والحكومة الأردنية مشكورة، وبتوجيهات من جلالة الملك، تقدم الدعم الدائم للمسجد الأقصى، وعلى الرغم من التقييدات والعراقيل التي يفرضها الاحتلال، إلا أننا ننجح في تنفيذ مشاريع عمرانية وتطويرية".
خمسة أنفاق تحت المسجد الأقصى
يقول خبير الآثار، الدكتور يوسف اشتية، مسؤول السياحة والآثار في دائرة الأوقاف، في حديث إلى "الغد"، إن الصعوبات التي يواجهها المسجد الأقصى المبارك، في تصاعد مستمر، وحتى باتت صعوبات الماضي شيء يُتمنى، ونرى أن ممارسات الاحتلال تتبع نهج "الخطوة خطوة"، لو أخذنا مسألة فرض التقييدات، ومنع مصلين أفراد ومجموعات من دخول الأقصى، فإننا إذا ما طرحنا هذه القضية أمام العالم، لكنا سنسمع أن هذه قضايا فردية عابرة، ولكن مجموع هذه الممارسات يؤكد وجود حالة خطيرة يعاني منها المسجد الأقصى المبارك.
ويتابع د.اشتية قائلا، إن هذه الممارسات تنتقص من السيادة العربية والإسلامية على المسجد الأقصى المبارك، وتمهد لسيناريوهات مرفوضة حاليا ومستقبلا، ولكننا نخشى من أن استمرار هذه الإجراءات يصبح نهجا ثابتا ووضعا قائما، ولكن على الرغم من كل هذا، فإننا متفائلون، ونؤكد أن الأقصى سيكون بأمان، ولدينا أمل كبير في استمرار الالتفاف الشعبي حول الأقصى.
وعن وضعية الآثار في المسجد الأقصى، يقول د.اشتية، بداية أقول، إن الآثار والعمارة، هي إحدى الأدوات التي تستخدمها إسرائيل لبث روايتها، ومحاولة تبرير احتلالها، وربط الحاضر بالماضي لخدمة رواية سياسية حديثة، وكأن الماضي مقصور على فئة معينة من تاريخ فلسطين، فتاريخ فلسطين حضاري إنساني عريق، مرّت عليه حضارات وأقوام، ولا يمكن تجيير هذا الماضي، لخدمة فئة قليلة صغيرة، مرّت في النسيج المعماري الفلسطيني. 
وتابع د.اشتية قائلا، إن الوضع المعماري جيد، فهناك متابعة دائمة من دائرة الأوقاف، والإعمار الهاشمي، والكل يتابع، ولكن هناك أمور مخفية، نحن نحكم على ما نراه، ولا نستطيع أن نحكم على ما لا نراه، لقد تعودنا على سلطات الاحتلال بأنها تنفي كثيرا، ولكن لاحقا نرى ما يبطل هذا النفي. وعن الأنفاق التي يحفرها الاحتلال تحت المسجد الأقصى، يقول د.اشتية، إنه ليس لدينا معلومات كافية، وأدواتنا المعرفية بسيطة، لأنه ليس كل ما يجري تحت الارض يتم الإعلان عنه، ولكن بالإمكان القول، إن هناك حاليا خمسة أنفاق معروفة، ومنها ما كان قائما في الماضي، كأنفاق لتسريب المياه، ولكن علينا أن نعلم أن البلدة القديمة، قائمة على 24 طبقة حضارية تاريخية على الأقل، وأي إنسان يريد أن يحفر في البلدة القديمة، سيصل إلى طبقة ما ويجد أنفاقا ومسارات.