"السيناريو البديل" على الطاولة

ثمة ما يدفع إلى القناعة بأنّ خيوط سيناريو بديل بدأت تنسج خلال الأيام الماضية لدى صانع القرار بشأن مصير قانون الانتخاب. وتتم اليوم دراسة البدائل والخيارات الممكنة في حال عدم توقيع الإرادة الملكية عليه، وإدراج بعض بنوده "الإشكالية" على الدورة الاستثنائية.اضافة اعلان
المبررات التي تمنحنا الأمل بأنّ "السيناريو البديل" بات مطروحاً على الطاولة اليوم، قوية ومنطقية، تعزّزها وقائع مهمة صعدت إلى السطح مؤخراً.
أولاً؛ الخشية من تكرار سيناريو 2010، بعد بروز مؤشرات قوية عليه، من زاوية مناخ المقاطعة المتوقعة الذي بدأ يخيم على البلاد، وتحديداً في الأوساط السياسية المعارضة وفي المدن الكبرى، ما يعني عملياً أنّ الانتخابات لن تخرج البلاد من الأزمة السياسية، بل ستعزّز الفجوة وتبقينا في "عنق الزجاجة"، ما دفع بشخصيات مخضرمة إلى التساؤل عن جدوى حل مجلس النواب الحالي وإجراء الانتخابات في مثل هذه الأجواء!
ثانياً؛ رفض القانون لا يقتصر اليوم على قوى المعارضة، كما كانت الحال في 2010، بل يضرب اليوم عمق مؤسسات القرار والشخصيات السياسية والقريبة من خط الدولة؛ فهنالك حالة من الاستقطاب والانقسام الداخلي الواضحة، وثمة تيار في محيط الدولة يبدي قلقه الكبير من المسار الحالي.
يمكن ملاحظة الاستقطاب، الذي لم يعد خافياً، في موقف كلّ من رئيس مجلس الأعيان (رئيس لجنة الحوار الوطني) طاهر المصري، وعبدالإله الخطيب (رئيس الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات)؛ إذ يتحفظ كلاهما على الصيغة الحالية لقانون الانتخاب. وتنضم إليهما شخصيات سياسية مخضرمة عديدة من أركان حكومة د. معروف البخيت، وحتى من داخل التيار المحافظ، ومن القوى السياسية القريبة من الدولة، مثل المهندس عبدالهادي المجالي زعيم التيار الوطني، وعدد كبير من أعضاء لجنة الحوار الوطني.
إدراك صعوبة الموقف يكمن حتى في نسبة التصويت داخل كل من مجلسي النواب والأعيان؛ فبرغم تمرير "الصوت الواحد"، إلاّ أنّ الاحتجاج داخل النواب كان واضحاً على القانون وعدد المؤيدين من الحضور فقط 57 نائباً، ومن الأعيان فقط 35 عيناً، وهي نسبة ضعيفة تعكس بوضوح حجم الاستقطاب والاختلاف حول القانون الحالي.
ثالثاً؛ المؤشرات الحالية تؤكّد أنّ الدولة مهما فعلت ستكون ضعيفة، إن لم نقل عاجزة، عن تسويق القانون الحالي، حتى وإن دشّنت حملات إعلامية وحاولت اختراق الكتلة السكانية الواسعة في المخيمات والمدن الكبيرة، فكل ذلك تمّت تجربته سابقاً، وفشل، ولا توجد أي مؤشرات في الاتجاه الآخر، ما يعني إذا كانت نسبة التصويت ضعيفة وحجم المقاطعة كبيراً، أنّنا دخلنا مأزقاً أخطر من الحالي!
تلك المعطيات لا تدع مجالاً للشك والنقاش بأنّ "حلف الصوت الواحد"، على حد تعبير الزميل فهد الخيطان، لم يستطع إدارة القانون وتسويقه، لا في داخل الدولة، ولا بالقرب منها، ولا مع المعارضة، ولا حتى في الشارع، ما يجعل الإصرار على هذا "المسار المغلق" عناداً سياسياً، وإقحاماً للدولة في حقل متفجرات في خضم أزمة اقتصادية قاسية وتدهور الأساس الأخلاقي لعلاقة الدولة بالمجتمع.
السيناريو البديل يفترض أن تتم إعادة النظر في قانون الانتخاب وتحسين الصيغة، بالعودة عن الصوت الواحد إلى الصوتين، ومن الدائرة الصغيرة إلى المحافظة، باستثناء بعض المحافظات التي تقتضي الضرورة القبول بتقسيمها بين الدوائر، وأخيراً رفع القائمة الوطنية بصورة مقنعة وجيّدة، ما يجعل من قانون الانتخاب مدخلاً ممكناً لإصلاح جوهري في الحياة السياسية.
اللحظة تقتضي التفكير خارج "الصندوق التقليدي"، والتخطيط للسيناريو البديل ولرسالته السياسية ولإخراجه الإعلامي، بما يعيد وضع القطار على سكّة أكثر وضوحاً وضمانة.

[email protected]