كانت مظاهرة الشاحنات والجرافات وسط رام الله الأحد الماضي، وإضرابات سيارات الأجرة والنقل يوم أمس، والتي شلّت كثيرا من مظاهر الحياة؛ أكثر من مجرد تعبير عن أزمة الوقود والأسعار في الضفة الغربية، إذ فيها دلالات نجدها أيضاً في ثنايا الإعلان عن خفض أسعار الوقود في غزة، يوم الأحد الماضي.
لم ترفع أي شاحنة من التي احتلت وسط رام الله علما فلسطينيا، ولم يرفع السائقون أي شعار أو مطلب، وتحركوا وسط حضور أمني يحاول تنظيم السير ليس إلا. وليس هذا تقليلا من سبب احتجاجهم أو تشكيكا فيه، ولكن ابتساماتهم ونظاراتهم الشمسية وقد احتلوا الشوارع وحولوا الناس إلى متفرجين، تضمّن نوعا من استعراض القوة. هم ليسوا أقوياء بالتأكيد ويعانون، واحتجاجهم محصور في المنطقة (أ). مجموع التناقضات مشهد هزلي مرّ.
في مجتمع يعيش الاحتلال، كنت في الماضي ستجد قيادة وطنية موحّدة توجه اللوم للاحتلال وترفع شعارات ضده، وستجد مجالس الطلبة تتصدى لوضع حلول بديلة تؤدي إلى استمرار "فتح" الجامعات بينما يستمر الاحتجاج، ربما وجدوا حلولا لتقليص فاتورة الوقود، وتصعيد المقاطعة لكل ما هو إسرائيلي، ونقل الأزمة والانفجار إلى إسرائيل، وربما فرضوا فتح الحدود أمام مصادر وقود بديلة.. وأمور أخرى كثيرة. بينما الآن ينتظر الجميع، من قوى طلابية وغيرها، موقف شركات النقل. ويجدون في سلام فياض مهربا لهم؛ فمهاجمة الرئيس الفلسطيني غير ممكنة، لأنهم يهاجمون أنفسهم بذلك، ويهاجمون فصائلهم.. لنحوّل النار إذن إلى فياض!
كان فتح البقالات والمصانع والجامعات يتحدد في الماضي بقرار شباب الفصائل والقيادات الوطنية، ويتحدد الآن بموجب قرارات نقابات أصحاب السيارات والشاحنات في الضفة، الذين يحتجون في الضفة. وتنتظر مجالس الطلبة، وأساتذة الجامعات، والموظفون قرارهم ليعرفوا برنامج حركتهم اليومي. وفي غزة، يجري تفاهم بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وجمعية شركات الوقود في غزة، وأصحاب الأنفاق، الذين أصبحوا لاعبا سياسياً.
هل يمكن أن نرى مسيرة الشاحنات هذه في المستقبل ضد مستوطنة؟ هل ستقطع هذه الشاحنات الطريق على شاحنات تحمل الرمل والإسمنت للمستوطنات الإسرائيلية؟ أين القيادة الشعبية التي تفعل هذا؟
هل هي مصادفة الإعلان في غزة عن خفض أسعار الوقود، بينما تعاني الضفة الغربية أزمة مثل هذه (الخفض مقداره عشرون "أغورة" أو ما يعادل قرشين أردنيين للتر، و3 بنسات (0.03) دولار)؟ وهل مصادفة أن يحتل الخبر العناوين الرئيسة في وسائل إعلام "حماس"؟
هل المطلوب الآن أن ترد "فتح" وحكومة رام الله وتسأل: لماذا توجد أزمة كهرباء تترك الغزي في ظلام دامس وبلا كهرباء أغلب الأوقات؟ ولماذا كل هذا الحديث عن الحصار، والإجراءات المصرية، وغيرها لمنع الوقود؟ وهل المطلوب التذكير–كما فعل الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس- أنّ "حماس" تحتجز إقرارات جمركية تحتاجها حكومة سلام فياض لجمع إيرادات من إسرائيل تزيد على 100 مليون دولار، تعترف حكومة حماس، على لسان وزير اقتصادها علاء الرفاتي (في نيسان الماضي) بها، وأنها ستستمر في ذلك حتى توافق "السلطة" على تحويل الأموال إلى غزة مباشرة؟
أهم ما تكشفه الأحداث هي حالة الضعف والعقم التي تعانيها القوى السياسية، وأن تسجيل النقاط ضد الخصم السياسي الفلسطيني، والبحث عمن نلومه، هي أولويات المرحلة.
المواطن والسياسي اللذان كانا يرسمان الحدث اليومي، واللذان كانا يضعان بيانا للقيادة الوطنية الموحدة ويجترحان حلولا لكل المشكلات، عاجزان الآن، كما لو أنّهما مجرد أحد المشاة، فيما الشاحنة العملاقة التي لا يعرف من أين جاءت، وكيف، ومن يقودها، وإلى أين، ولماذا؛ تدوسه أو تجبره على التسمّر على الرصيف.
محاولة تسجيل النقاط داخليا بين الفصائل، وتعليق كل شيء على شماعة سلام فياض، وعدم إيجاد برنامج مقاومة اقتصادية قائم على المقاطعة التامة، وخفض النفقات، والطاقة البديلة، والزراعة المنزلية، وفرض تغيير الاتفاقيات الاقتصادية، وفرض فتح الحدود للاستيراد والتصدير والانفكاك عن الاحتلال، كلها وصفات للفشل والاستسلام.
لنفترض أن برنامج سلام فياض الاقتصادي فاشل؛ فمن يطرح برنامجا بديلا؟ أين شباب القيادة الوطنية الموحدة الجدد؟ أين الأكاديميون والمخططون؟ لماذا لا تُجرى انتخابات لتجديد القيادات؟