الشاورما والإرهاب

بلغ عدد المصابين بالتسمم بالشاورما في مادبا 160 مصابا، وأتوقع أن العدد سيزيد ليصل إلى عدد الساندويتشات والصحون الممكنة لسيخ الشاورما أن ينتجها، وقد بلغ عدد المصابين في حالة سابقة في الرصيفة أكثر من سبعمائة مصاب (وهذه إشارة اقتصادية لقياس جدوى وعائدات سيخ الشاورما)، ترى كم قنبلة وكم سيارة مفخخة تقبع في شوارعنا، أسياخ الشاورما المسممة؟ والأطعمة الفاسدة والملوثة، والسيارات التي تسير في الشوارع مسرعة ومتجاوزة القواعد ومتحدية الإشارات الضوئية والقوانين المرورية وبنزق وتوتر أليست عمليات انتحارية موجهة إلى المجتمع والذات؟

اضافة اعلان

لم تعد قادرا على أن تسير في الشارع على قدميك أو بسيارتك دون أن تتأكد من وصيتك، ودون أن تنشغل بتركيز فائق بكل الاحتمالات الخيالية والواقعية للتصرفات وأنواع السلوك التي ستصدر عن الناس، معاكسة لاتجاه السير في أوتوستراد أو شارع واسع مليء بالسيارات المسرعة والتي لا يخطر على بال سائقيها أن أحدا من البشر يمكن أن يقدم على مثل هذه المغامرة، أرصفة يتعذر المسير عليها لأنها تحولت إلى مواقف سيارات وحدائق منزلية وأسواق، إشارات ضوئية يبدو أنها وضعت لتسلية الأطفال بالألوان المتحولة والزاهية، شوارع من أربعة مسارات على الأقل تحولت إلى مواقف سيارات للمتسوقين والمتنزهين، وهذا يحدث على نحو أصبح متقبلا في شارع المدينة وفي صويلح (ضمن مشاهداتي الشخصية اليومية على الأقل)، وحالة من الضغط النفسي والتوتر والشعور بالإهانة بسبب الكم الهائل الذي تتلقاه من الشتائم والمنبهات واستعراضات يعجز عنها سباق الرالي تجعلك تبدو أمام نفسك وعائلتك انسانا مغلوبا على أمره.

ثمة سؤال عن الإجراءات المتبعة في حالة معرفة واكتشاف تسمم أو إهمال أو تلوث في الأطعمة المقدمة في المطاعم والمحلات والمخابز، وأشاهد بنفسي ويخبرني الأصدقاء عن حالات تشعر بالخوف وانهيار الثقة، اللحوم التي تباع وتخزن، والحليب والشيبس والمشروبات، والحلويات، وتقاليد النظافة والوقاية في المطاعم والمحلات والبيوت، والمواجهات اليومية والصغيرة مع التلوث والإهمال وضعف الوعي مما لا تصل إلى الجهات المختصة أو يصعب إثبات الجهة المسؤولة عنها أو المتسببة بها، وحالات المرض الخفيفة والتي يعالجها الناس بأنفسهم دون متابعة لعلاقتها بالطعام الملوث الذي ندفع ثمنه وضريبة المبيعات المترتبة عليه.

أدرك بالطبع الآثار السلبية والضارة التي يمكن أن تنشأ عن مثل هذه المقالة والتي قد تطال مصالح وحياة أغلبية من المواطنين ليس لها ذنب، وتبذل وسعها في اتباع الإجراءات الصحية المطلوبة، ولكن لنتذكر أيضا الحالة الهستيرية التي أصابت المواطنين عام 1998 عندما تعرضت مياه الشرب للتلوث، وهي حالة مازالت قائمة حتى اليوم بدليل الانتشار الكبير لمحلات بيع المياه وأجهزة التنقية، وإذا فقد المواطنون والزوار والمستوردون ثقتهم بالمطاعم والمحلات والمنتوجات فسوف نجر على أنفسنا وبلدنا خسائر كبيرة قد لا نستطيع تعويضها أو إصلاحها إلى الأبد.

الثقة اليوم مورد كبير جدا لا ينضب بل إنه يزيد بالاستهلاك ويمكن أن يعود على حياتنا العامة والاقتصادية بعوائد كبيرة جدا، وفي المقابل فإن انهيار الثقة أو ضعفها سينشئ متوالية هندسية من الخسائر والتكاليف والضغوط، فحياتنا ومواردنا اليوم قائمة على الثقة، وهي النظام والمورد الأساسي الذي يحب أن نلتفت إليه جميعا، الحكومة والمجتمعات والشركات والمؤسسات التجارية.

[email protected]