الشباب المفهوم المفقود

سائد كراجة يعج الفضاء الرقمي والفعلي العام بالحديث عن الشباب وتمكينهم، ولعل مفردة «الشباب» هي الأكثر تداولا الآن، على أن ذلك لا يعني بالضرورة فهما واضحا لمعنى هذا المصطلح أو مجاله، وإشكالية الغموض التي أشير لها، ليست مسألة تتعلق بضرورة وجود تعريف للكلمة بالمعنى الابستمولوجي، بل تتعلق بأهمية التعرف على سلاح المستقبل؛ مداه وفاعليته وخواصه، التي سنواجه بها تطوير وتحديث الواقع، وصولا للمستقبل الذي نرنو إليه. الشباب في اللغة هو الفتاءة والحداثة، والشباب أول كل شيء، وفيه معاني القوة والنضارة والحيوية، وقد تعلق المفهوم اكثر ما تعلق بالزمن، مع اختلاف الاتجاهات في تحديد ذلك الزمن ـ ولكن في الحدين قد يكون بين الـ 14-25 عاما، وقد اوصله بعضهم حد 40 عاما، وهذا الامر عموما مرتبط بالقدرة على «العمل»، لكن الواقع العملي يشي بغير ذلك؛ فان فترة الشباب قد تكون اكثر فترات العمر ضياعا، واقلها قدرة على التدبر والتدبير، وبالتالي اقلها خبرة ايجابية ملائمة في بناء المستقبل، بل قد تكون عبئا عليه، وعموما فان هذه الفترة قد تكون الاكثر ترشيحا للاتجاه نحو اليباب بدل البناء، والى اللهو بدل الجد والعمل. على ضوء ما سبق، ظهر مفهوم الشباب بالمعنى الاجتماعي، حيث تتشكل القدرة على العطاء والبناء والخبرة بعيدا عن ارتباطها بالعمر بالمعنى الحرفي، فقد يكون من هو في الخمسين ولديه القدرة على الفتاءة والحيوية والعمل والبذل، مع كثير من الحكمة والحنكة هو المفهوم الحقيقي للشباب، وبهذا يصبح مفهوم الشباب متعلقا بالقدرة على امتلاك صفات المرحلة الشبابية، وان تمت مغادرتها عمريا، والواقع مع بعض الاستثناءات فان اغلب الانجازات الحضارية، قد تمت في عمر يقع خارج الفئة العمرية الزمنية للشباب، وقد قيل ان الاربعين مثلا هو عمر النبوة. مع ذلك كله، فان بلادا كبلادنا فيها نسبة الشباب اكثر من ثلثي تعداد السكان، بما يمثله ذلك من ثقل عددي ومن امكانيات كامنة، يجعل الشباب ثروة وطنية تماما مثل الثروات الطبيعية الاخرى، وتصبح قيمتها في استثمارها وتحويلها الى قيمة مضافة في عملية التحديث والبناء، ويتحول الشباب من اداة لصناعة المستقبل الى كونهم المستقبل ذاته، ولكن السؤال الاكثر الحاحا، كيف يجب ان يكون هذا الاستثمار، وكيف يكون تمكينهم وهم يعيشون حياض الحالة الراهنة، ولا بد متأثرون بكل تحدياتها وإخفاقاتها، وأيضا متأثرون في بنائها الثقافي والمعرفي، خاصة وانهم قد يكونون الأكثر تأثرا بما نريد أن نغادره نحو ما نريد ان نكون عليه؟ الإجابة الدارجة- وهي صحيحة – إعداد الشباب وتمكينهم بالتوعية والتعليم، وطبعا توفير فرص العمل، وخلق بيئة حرة تتناسب مع طموحهم وطاقاتهم وتوقهم نحو التجديد والتغيير، وكل هذا صحيح، ولكنه بديهي، وهو على نحو ما مجرد حد التسطيح، فكل ما سبق ضروري للجميع شبابا وشيبا، ذكورا وإناثا، ولجميع الفئات العمرية، ما نحتاجه في مجال تمكين الشباب هو ان نغير ما فينا وليس ما فيهم، وأن نفكر بهم وليس عنهم، وأن ندرب أنفسنا قبل أن ندربهم على ان يصبحوا الحالة العامة اليومية لكافة المؤسسات والهيئات ومنظمات المجتمع المدني، بمعنى ان ورش العمل والمؤتمرات لا تكون بحضورهم بل بتنظيمهم وتفكيرهم وعملهم، وان يضعوا في حملة وطنية شاملة سردا وطنيا عاما، يصل الى رؤى اجتماعية اقتصادية سياسية رياضية فنية تتسم بالحداثة والتقدم، تتبلور بهم ومنهم وبواسطتهم، مثل هذا السرد يصبح رؤية عامة للوطن، ينتظم فيها الشباب او اغلبهم، وكأنهم في فرق كشفية لها تقاليدها وإجراءاتها وشكلها ولغتها الخاصة، تشكل مجتمعا شبابيا بذاته، يشكله الشباب في سيرورة وصيرورة، لصنع مستقبلهم الخاص، ومستقبل الوطن عموما، وللحديث صلة جنابك.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا

اضافة اعلان