الشباب وفرق الحساب

 بمناسبة اليوم العالمي للشباب الذي مر أمس (12 آب)، أعلنت دائرة الإحصاءات العامة أن الشباب الأردني ضمن الفئة العمرية (15 - 24) سنة يشكلون خمس السكان، أي نحو مليوني شاب، وحسب التعريف الأممي للشباب يضاف إليهم  مليون آخر ضمن الفئة العمرية من (25 - 29)، ما يعني ان الشباب ضمن هذه الفئات العمرية يشكلون نحو 30 % من السكان؛ وهؤلاء عادة يذهبون فرق حساب حقيقيا، فلطلما طالعتنا الأرقام الرسمية بأن الشباب يشكلون 70 % من السكان أي عمليا نتحدث عن ثلثي السكان وما يصيبهم يصيب المجتمع بأكمله، وحينما نخطط للمجتمع نخطط لهم، وعمليا المقصود بثلثي السكان من هم دون الثلاثين سنة أي الأطفال والمراهقين والشباب البالغين، فيما بقيت الفئة العمرية بين ( 14 - 29) خارج دائرة التركيز وهذا ما ندفع ثمنه اليوم وسيكون الثمن أكبر مع الأجيال الجديدة.اضافة اعلان
عمليا، في نهاية مرحلة المراهقة يصل إلى نهاية التعليم المدرسي النظامي كل عام نحو 80 ألف شاب ينجح نصفهم ونصفهم الآخر لا نعرف أين يذهبون: إلى الشارع أم إلى العمل أم ينتظرون المجهول وصولا إلى المزيد من العزلة والإحباط والنقمة. في نهاية التعليم الجامعي في كل عام تضخ الجامعات نحو 60 ألف شاب وشابة نحو 56 % من الإناث، يستطيع القطاع العام توفير فرص عمل لنحو 15 % فقط في التعليم والصحة ويستطيع القطاع الخاص والقطاعات غير المنظمة استيعاب نحو ضعف هذا الرقم، عمليا لدينا كل عام  في حدود 50 إلى 70 ألف شاب مجهولي المصير يذهبون فرق حساب.
لا توجد لدينا أرقام واضحة ومتوافق عليها حول خصائص هؤلاء الشباب وإذا كانت موجودة فهي غير متاحة حتى لبعض مراكز صنع القرار، وحسب دراسة (العمل والتعليم، دائرة الإحصاءات، 2016 ) فإن نسب المتعطلين من خريجي الجامعات تصل الى نصف الخريجين فهي نحو 22 % بين الذكور و71 % بين الاناث؛ وهي أرقام كارثية ومع هذا هناك تقديرات غير رسمية تذهب إلى  أن الأرقام الحقيقية تتجاوز ذلك بكثير.
هؤلاء الشباب ليسوا ملفا أمنيا أو فئة طائشة، وبعيدا عن الكلام الانفعالي والإنشاء الرسمي ومستقبل الوطن الذي يشكله الشباب، فإن معظم ما  يقال ويخطط له ما يزال أقل بكثير من أن يطال أطراف المشكلة، ما نزال نمسح على السطح.
إن ضعف المكانة الاقتصادية للشباب الأردني نتيجة زيادة معدلات البطالة وضعف قدرة النظام الاقتصادي على استيعابهم تلقي بظلال قاسية، وستكون كارثية إذا ما استمرت لسنوات قادمة، ولن يتوقف ذلك على هذه الفئة بل سوف ينسحب على المجتمع بأكمله وعلى نوعية الحياة، حسب المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، أن أجور معظم الداخلين الجُدد للضمان أي الشباب  تتراوح ما بين 200 و400 دينار شهريا.
في العمق تحدث التحولات الكبرى في الطريقة التي يفكر بها هؤلاء الشباب في ضوء ما يعيشونه من خيبة وإحباط وتعثر وتحت ضغط الأسر وقلة حيلة الآباء والأمهات. تحدث التحولات الأخطر؛ كيف يفكر هؤلاء الشباب وكيف يتعاطون مع طريقة حياتهم، كيف يفكرون بالوطن والآمال الكبار بالمؤسسات العامة والدولة، وهل تبقى لديهم  مساحة للثقة العامة بالنخب الرسمية وبالنظام العام وبعدالة القانون وما يقال في الأخبار الرسمية عن تكافؤ الفرص وعن الشباب الرياديين والمبادرين وغير ذلك من حديث مرسل.
التفكير بالشباب في الأردن يحتاج رؤية واقعية وتعريفا واقعيا للمشاكل وفهما واقعيا للتحولات التي تجري من تحتنا وحلولا واقعية ايضا، قبل أن يضيع الشباب فرق حساب ونضيع معهم.