الشباب يحلم بالعمل في الخارج هربا من الظروف الاقتصادية الصعبة

الشباب يحلم بالعمل في الخارج هربا من الظروف الاقتصادية الصعبة
الشباب يحلم بالعمل في الخارج هربا من الظروف الاقتصادية الصعبة

ديما محبوبة 

عمان- كثيرة هي أحلام الشباب في الرحيل عن الوطن، والبحث عن الرزق في شتى أنحاء الأرض، فالمشي في شوارع "نيويورك" المدينة التي لا تنام، أو "باريس" مدينة النور، أو "لندن" عاصمة الضباب، تلك بعض من أحلامهم. إنهم أولئك الشباب الذين يصطفون في طوابير طويلة أمام سفارات العالم، وكل همهم الحصول على تأشيرة سفر تنقلهم خارج الأردن.اضافة اعلان
معن (28 عاما) أحد هؤلاء الشباب، يؤكد أنه لا يسعى إلى إكمال حياته في خارج الأردن فقط، بل خارج جغرافيا الوطن العربي كله كما يقول.
وييبن أن طموحه في العيش الكريم بمعنى الكلمة بعيدا عن هم الدَّيْن، وهاتفه النقال المتسم بالذكاء وأقساطه غير المنتهية، ورصيده الحالي الذي "لا يسمح بإجراء هذه المكالمة"، وشعوره بالقهر بمجرد أن ينتهي الراتب بعد عشرة أيام من كل شهر، وانتظاره الطويل لراتبه للشهر المقبل، وذلك لينهي فيه ما استدانه طيلة الشهر الماضي.
ويتمنى أن يعيش حياة كريمة، بعيدا عن هم الدَّيْن، والحياة الصعبة، والمستلزمات غير المنتهية، لذلك يسعى لأن يعمل في الخارج.
أما تيسير فوزي، وهو شاب أردني عاش في الخارج وجرب الحياة ولمس فروقات كثيرة ضمن منظوره الخاص جعلت رغبته في إكمال الحياة في الخارج هدفه الأول عقب التخرج، يقول "الحياة في الخارج أكثر مالا وجمالا وانفتاحا".
ويقول إن الحياة في الخارج لا تقاس بفاتورة المياه المنقطعة، ولا تقاس بفاتورة الكهرباء، ولا برغيف الخبز، ولا بالمحروقات التي ترتفع أسعارها بلا انقطاع، مبينا أن الحكومات لا يحلو لها رفع سعر هذه الضروريات وبشكل ملحوظ إلا في بداية فصل الشتاء.
ويضيف أنه يريد الحياة بعيدا، رغم مصاعب الغربة، لأنه يبحث عن رغد العيش، بعيدا عن هموم أساسيات الحياة.
حلم السفر للخارج بات أكثر انتشارا. فعلى الرغم من عدم تصريح الشباب به بشكل دائم، إلا أنه يراودهم دائما، فهو هاجسهم الدائم. وعند التحدث معهم في هذا الأمر تلمع الفكرة في عيونهم ويتمنون اختبار حياة جديدة.
وتعكس حالة أيسر الدغمي (16 عاما) حقيقة أن الرغبة في الهجرة غير مقتصرة على فئة الشباب الذين وصلوا إلى سن سوق العمل أو الجامعات، بل تشمل أيضا المراهقين وطلاب المدارس. فالمراهق يلح على والده لإرساله للدراسة في الخارج عقب الثانوية العامة. وإن تعذر عليه تحقيق هذا الحلم في هذا السن فسيهاجر بمجرد التخرج.
يقول "سأحاول الحصول على (فيزا) إلى واحدة من الدول الأوروبية، أو كندا، أو حتى أستراليا. أعتقد أن كل شيء هناك أفضل، الحياة أسهل، والأموال أكثر، كذلك العمل، والدراسة أفضل".
ويؤكد بأن أكثر ما يدفعه لاتخاذ هذا "القرار"، هو الحلم بحياة بلا هموم، رائيا أن والده يتعب ليلا ونهارا وكذلك والدته، وهما من الموظفين الذين يحصلون على دخل جيد، مقارنة برواتب الآخرين، إلا أن همهم منصبّ كليا على إنهاء قسط الشقة الصغيرة، وأقساط السيارة، وتامين رسوم دراسة الأبناء المجبرين على تسجيلهم في المدارس الخاصة.
ولا تقتصر رغبة الهجرة على الشباب من الذكور وحدهم، إذ تؤكد فرح بأنها دائمة التفكير في السفر والعمل في دول الخليج، "فرص العمل هناك أكثر وأفضل".
وتقول فرح التي تعمل ممرضة في احد المستشفيات، إن قرار السفر لدول الخليج أفضل وأسهل من الدول الأوروبية، فالبلاد العربية لا تشعر الفرد بغربة كبيرة كما هي في البلاد الأوروبية أو أميركا، لافتة إلى أنها قدمت السيرة الذاتية لأكثر من مستشفى علها تحصل على عمل تستطيع من خلاله تسديد الالتزامات المترتبة عليها ومساعدة أهلها.
وتعطي هذه الأحلام والطموحات والأفكار عددا من المؤشرات التي تعكس وجود شريحة كبيرة من الجيل العشريني والثلاثيني الذين يطمحون إلى الهجرة، وأحيانا إلى اللاعودة. ولعل السبب الأبرز الذي ذكره الشباب الراغب في الهجرة هو مشكلة البطالة وتدني مستوى الدخل، مما يجعل التفكير المستقبلي في الاستقلال المادي غاية في الصعوبة.
غير أن اختصاصي علم الاجتماع ومدير مركز الثريا للدراسات، د. محمد جريبيع يقول "إننا نقف أمام جيل كامل مخدوع بالسفر للخارج، وبفكرة وجود فرص عمل في الخارج، تفوق بكثير الفرص المتاحة في أرض الوطن".
ويستطرد قائلا "مع ذلك لا يمكن أن نلوم هذا الجيل، فالحياة بالفعل باتت صعبة والظروف الاقتصادية باتت تشد الحبل على رقاب الجميع، فلذلك يسعى الجميع إلى السفر والهجرة والعمل خارجا، وأكثر من ذي قبل.
ويبين أن هناك شبابا ينظرون ببعض الموضوعية والتفكير الايجابي في المستقبل، إذ يقولون "إذا فكر الجميع في السفر فلمن سيبقى البلد؟
في هذا السياق يشير أكرم معايعة (40 عاما) إلى أنه عمل في كندا فترة طويلة من حياته، مبينا أن الحياة هناك أفضل بالفعل، من ناحية توفر الكماليات وجمع المال، لكن فكرة الغربة قاسية جدا، ولا يطيقها الجميع".
يقول "العيش في بلد ليس لك فيه أصدقاء ومعارف فيه الكثير من اللحظات الصعبة، فإذا مرضت مثلا، أو إذا مررت بظروف صعبة فلن تجد أحدا يمد لك يد المساعدة. هذا بالإضافة إلى اختلاف العادات وأساليب الحياة".
في حين يتعاطف الخبير الاقتصادي حسام عايش مع تفكير الشباب في الهجرة والعمل، إذ يشير إلى "أن هناك عينة كبيرة من الشباب الأردني معذورة في التفكير بهذه الطريقة".
ويقول "من رؤيتي الشخصية واختلاطي ببعض الشباب، ألمس معاناة الكثيرين منهم. هناك إرهاق نفسي ومادي، خصوصا عند أولئك الذين يرون في أنفسهم المؤهلات ولا يستطيعون الحصول على وظيفة تتناسب مع تلك المؤهلات".
وكثرة الضغوط الاقتصادية تشعر الشخص "بالذل والاحباط والقهر"، وفق اختصاصي علم النفس د.أنس أبو زناد، الذي يقول إن الشاب الأردني محبط ويعاني من ضغوط نفسية بسبب شعوره بالنقص، فكل ما يباع في غلاء دائم والدخل يبقى ثابتا.
ويلفت إلى أن الدول الغربية تزيد من قيمة السلع المباعة وفي المقابل تزيد رواتب موظفيها بشكل سنوي بطريقة ملحوظة وما يسمى بـ"بدل غلاء المعيشة".
وكثرة الضغوط الاقتصادية والتفكير الشديدة بحلول وكيفية تسديد جميع الالتزامات تصيب الشخص بالكآبة، وفق أبو زناد، وبحسب دراسات لشركات الأدوية العالمية يبين ان في العام 2022 سيكون مرض العصر "الكآبة"، لافتا إلى أن أكثر الأدوية التي تصرف في العالم هي أدوية مضادات الكآبة بسبب الظروف المحيطة بالفرد.