الشباب يعشقون المعاكسات.. والفتيات يعتبرونها "قلة أدب"

الشباب يعشقون المعاكسات.. والفتيات يعتبرونها "قلة أدب"
الشباب يعشقون المعاكسات.. والفتيات يعتبرونها "قلة أدب"

د. ساري: "المعاكسات ظاهرة طبيعية وليست مرضية"

 

نسرين منصور

    عمان - اعتاد طارق عزت (19 عاماً) مساء كل يوم على الخروج من بيته مرتدياً ملابس أنيقة " كول" والتي يحرص على أن تكون دائماً مثقلة بالروائح العطرة متجهاً هو ومجموعة من أصدقائه إلى أحد المولات أو الشوارع "المسلية" لتمضية وقت الفراغ واللعب.

اضافة اعلان

    والتسلية ليست هي الهدف الوحيد الذي يدفع طارق للذهاب إلى هذه الشوارع، وإنما أيضاً لمعاكسة الفتيات ومغازلتهن بطريقة عفوية وعشوائية.

    وطارق وأصدقاؤه ليسوا حالة استثنائية، بل هم مثال على جيل من الشباب الذين يجدون متعة في معاكسة الفتيات في الأماكن العامة، سواء في الأسواق التجارية أو على بوابات مدارس البنات. وبالنسبة لطارق فإن معاكسة الفتيات هي طريقة للتعارف واكتساب الأصدقاء أحياناً، وهو لا يرى فيها أية خطأ أو حق يؤخذ على الشباب طالما يوجد استجابة وقبول من الفتيات، ويقول: "الأمر كله عبارة عن قراءات وانطباعات يأخذها الشاب من الفتاة، وبناء عليها يتصرف بجرأة ويبدأ بقول كلام غزل معسول يجذب وتعجب به نوعية معينة من الفتيات، وليس كلهن".

    وينفي طارق أنه يضايق الفتيات، فهو يطلب منهن في البداية أخذ رقمه، وإن رفضن، فإنه يعتذر ثم يقوم بالانصراف، حتى أنه لا يسيء لأي فتاة حتى بالكلام، وهذا حال أغلب أصدقائه الذين يفضلون عدم إقحام أنفسهم في مشاكل هم في غنى عنها.

    ويشير طارق إلى أنه "لولا قبول الفتيات لما كان هناك معاكسات، حيث يلاحظ بأن هناك شريحة كبيرة من الفتيات لا يمانعن سماع الكلام الجميل والتعليقات، ويتضح ذلك من خلال الابتسامات والضحكات التي تبدو واضحة على وجوههن".

    وقد تعددت طرق المعاكسات وتفنن فيها الشباب، بدءاً من الأسلوب القديم والتقليدي الغمز بالعين، أو ابتسامة ناعمة، أو إلقاء نكتة طريفة، أو تعليقة يظنها صاحبها ظريفة، لتشمل نظرة ناعسة، أو تسريحة ساحرة، أو "لوك" ملفتا، أو مشية متكسرة متغنجة، أو عطرا يسحر القلب قبل الأنف.

    ويرفض زيد العلي (19 عاماً) القول الدارج بأن المعاكسات عمل خاطئ ومشين من قبل الشباب الذين غالباً ما تقع على عاتقهم المسؤولية، وتظهر الفتيات بدور الضحية، ويقول: "الفتاة جزء من عملية بطولات المعاكسات التي يقوم بها الشباب، وهي التي تحدد النجاح أو الخسارة لتلك النهايات منذ بداية التعليقات"

     ولا يعاكس زيد جميع الفتيات، بل يقوم باختيارهن وانتقائهن بناء على حركات وتصرفات تصدر منهن يستدل منها الشاب المعاكس بأن الفتاة على استعداد للتعرف على هذا الشاب أم لا، ومن هذه الحركات الابتسامة في وجه الشاب أو تبادل النظرات. ويؤكد زيد على أن هناك فتيات من المستحيل أن يستطيع الشاب، ليس معاكستها وحسب، بل النظر اليها حتى من غير القاء التعليقات والكلام.

    ويستنكر زيد فكرة بعض الناس عن المعاكسات بأنها "تخويث وبرادة على الفتيات"، فهو شخصياً لا يقصد من المعاكسة سوى التعرف على فتيات للتنويع وتكوين "شلة"، بدلاً من الخروج دائماً مع مجموعة من الشباب فقط.

    إن اعتقاد الشباب بأن الفتيات يلعبن دوراً مهماً في عملية المعاكسات، التي ما تزال مستمرة بسبب القبول والايجاب غالباً من الطرف الأخير، أمر تعارضه الفتيات ولا يجدن فيه أي شيء من الصحة، حيث ترى رانيا حسني (22 عاماً) أن الشباب يجدون متعة وتسلية في مضايقة الفتيات ومعاكستهن دائماً، معتقدين أن هذا من "خفة الدم"، غير مكترثين بردة فعل الفتاة، وسواء قابلتهم الأخيرة بابتسامة أو شتيمة فإنهم لا يبالون، بل يزيدون من جرعات التعليقات والسخافات التي تؤدي إلى شعور الفتاة بالاستفزاز.

     وتصف رانيا المعاكسات بالشيء المزعج بقولها "أنا لا استطيع المشي في الشارع أو ممارسة الرياضة أو الذهاب للتسوق. وحتى لو كنت في سيارتي فإني لا أسلم من معاكساتهم أيضاً". وتقول رانيا بأنها "في البداية كانت تردّ لمعاكسيها الصاع صاعين، ولكنها ملت من الرد. وبنظرها فإن الحل الأفضل هو "التطنيش".

     إن أكثر ما يثير حنق رانيا هو المعاكسات على الاشارات، حيث تشير بأن "الشاب المعاكس سرعان ما يتعمد صف سيارته بجانبها ليفتح زجاج النوافذ ويمد يده ليلقي بقصاصة من الورق مكتوب عليها رقم هاتفه، وبجانب ذلك اقتراب الشاب المعاكس الشديد بسيارته من سيارة الفتاة إلى حد الخطورة أحياناً". ولا تملك رانيا حلاً أفضل سوى الابتعاد عن الشاب المعاكس وتجنبه خوفاً من التعرض لحادث.

     ولا تختلف نورة عبدالرحيم (22 عاماً) في رأيها عما سبق في كون المعاكسات تشكل اكتئاباً واحباطاً لدى الفتيات وذلك بسبب التعليقات والحركات التي يقوم بها فئة من الشباب.

    وتعودت نورة عند ذهابها إلى أحد المولات أو الأسواق التجارية على سماع ما وصفته "كوشة من رمي الحكي" بالإضافة إلى عمليات المطاردة واللحاق بها من جانب إلى جانب "حتى أنهم يدخلون المحلات الني ندخلها ويتوقفون حين نتوقف، وكثيرا من الأحيان تصل بهم الجرأة إلى توصيلنا إلى حد باب البيت".

    إن طريقة لباس الفتاة من وجهة نظر نورة لا تلعب دوراً في عملية المعاكسة، وتؤكد على كلامها من خلال موقف تعرضت له والدتها، بالرغم من كونها محجبة. إلا أن هذا أمر لا يكترث له الشباب. تقول: "كل ما يهمهم هو التعليق فقط " ولا يحترمون العمر أو تواجد الفتاة مع عائلتها.

    ولا تقتصر معاكسات الشباب للفتيات على التعليقات، بل تتعداها بالنسبة لشيرين عمر (23 عاماً) لتمتد إلى الصراخ والزمامير والكلام وخصوصاً في موسم فصل الصيف عند قدوم الوافدين، حيث يصبح المشي في الشارع بالنسبة لشيرين مستحيلاً.

   وتضيف شيرين: "في كل مكان تتعرض الفتاة للمعاكسات، وهذا أضحى شيئاُ طبيعياً. ولكن ما يجعل الفتاة تتضايق بأنه اذا رفضت أخذ الورقة من الشاب بأنه يشتمها ويصفها بأبشع الأوصاف". ولا تبالي شيرين كثيراً لمعاكسات الشباب، لكنها تشعر بالخوف فقط حين تكون المعاكسات صادرة من أشخاص كبار في السن "يراهقون على كبر".

    إلى ذلك يرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة فيلادلفيا د. سالم ساري بأن  "المعاكسات ظاهرة طبيعية وليست مرضية كما يعتقد البعض، فهي من الظواهر الاجتماعية السوية، وليس بالضرورة أن ينظر اليها على أنها مشكلة بكل معنى الكلمة".

    ويضيف د. ساري بأنها "ليست مشكلة اجتماعية إلا بالحجم والمدى والقدر الذي ينظر اليها أفراد المجتمع بهذا المنظور أو يعاملونها على هذا الأساس".

     ويشير د. ساري إلى أن "أي تفسير لهذه الظاهرة لا بد أن يكون تفسيرا ثقافيا بالدرجة الأولى، وفي ثقافتنا العربية هناك تاريخ طويل متراكم من الفروقات الاجتماعية بين الذكر والأنثى"، مبيناً أن "المرأة في تاريخنا العربي ذات خصوصية مستمرة تشغل حيزاً خاصاً بهاـ والاقتراب منها أو التعدي على هذا الحيز يعتبر اعتداء على القيم المجتمعية وخصوصية الآخرين".

     ويقول د. ساري إن "الزمن تغير الآن. نحن في عصر العولمة، عصر التواصل والاتصال والتفاعل الثقافي والانساني والحضاري، ليس فقط داخل المجتمع الواحد وإنما بين المجتمعات جميعاً، ومن غير المعقول أن يتمكن الشاب العربي من الاتصال مع جميع شباب العالم بشكل فوري، ولا يتاح له هذا في مجتمعه الخاص"، منوهاً إلى أن "الشاب تحرر بشكل كبير من قيود ثقافته المجتمعية العربية، ولكن لم يتم هذا التحرر بنفس القدر للفتاة، فما تزال الثقافة تحيط الفتاة بكثير من المحظورات والممنوعات".

    ويزيد د. ساري بأن "المعاكسات مقبولة ومرغوبة في الثقافة الفرعية للشباب، وتعطي دائماً انطباعا بأن الطرف الآخر موافق على المبادرة، سواء تصريحاً أو تلميحاً، قبولاً أو اشارة، لذلك فهي لا تضير الشاب، بل الفتاة".

    ويختتم د. ساري حديثه بالتركيز على أن المعاكسات وسيلة للتواصل وطريقة مقبولة للتعارف وغالباً لا يصدر عنها مشكلات أو مصائب مادام لم يسئ الشاب للفتاة بمعنى الاساءة الحقيقية، مؤكداً على أن ظاهرة المعاكسات بدأت تنحسر تدريجياً في تأثيراتها، فاتحة المجال لوسائل تعارف أخرى أكثر قبولاً وشرعية.