الشتاء جاء مبكرا

غير عابئ بخطة الفقراء، الممسكين بتلابيب التوقيت الصيفي، الذي يمنحهم فرصا أطول خارج البيوت. الحسبة ستختلف كثيرا لو أن الشتاء وفى بعهده القديم، وحبذ أن يزورهم مبكرا، وينام فوق سقوفهم مطرا يزقزق فوق العلية، وبردا ليس له حل!اضافة اعلان
القابضون على جمر الحنين الى صوت الزينكو المبلل، لا يعيرون اليوم انتباها لرعشة البرد التي تسري في أوصالهم كلما تذكروا الشتاء القديم. كبر الأطفال وتعلموا حيل الخلاص وعلموها لصغارهم. لكنهم وهم في الأحياء الأكثر تمدنا؛ حيث صوبات الكهرباء والغاز والتدفئة المركزية، وربما أنابيب تحت البلاط، نسوا أن بيوتهم لم يهجرها الزمن، وهي الآن تنتظر بقلق بالغ أنباء الشتاء المبكر، بسكانها الجدد..
الشتاء جاء مبكرا..
بدون أن ينبه العشاق الى ضرورة "إنزال الشتوي"! اللفحة التي ستعبق برائحة دخانه، ستخطف عقل الصبية المسحورة أصلا بصوته وهو يقرأ مقالا لنوارة نجم. والكنزة التي ستنتقل وديا على أكتاف المحبين، حتى تستقر في حقيبتها الواسعة، ذكرى لا تبارح وسادتها الظمأى. والمظلة التي ستحشر أنفاسا بيضاء صنعتها ضحكات صغيرة، على الوحل الذي لطخ بنطاليهما، بعد أن تلقيا شتائم سائق العربة المغتاظ!
هم الآن في عجلة من أمرهم، يسابقون الليل الذي بدأ يسارع في تسلله. وينبشون خزانة الأحذية الشتوية، ويرجونها أن تركض بأقدامهم الى الوراء، علهم يجدون محبيهم على القارعة ذاتها التي فرقتهم، علهم يتصالحون بسرعة، ويمضون معهم شتاء آخر..
الشتاء جاء مبكرا..
متآمرا هذه المرة! على الحناجر التي مزقها الهتاف خوفا أن لا يستيقظ الوطن.. على الأكف التي ثقبها الغل من غلها على هروب الوطن.. على اليافطات التي ستموت من البرد وهي واقفة تمد يديها تستجدي مقدرات الوطن.. على البيات الشتوي القصري لبيانات تشتم سراق الوطن.. على خيم الخوف التي تتحايل على رياح القلق، وتستشيط حنينا كلما زارها كبير في خريطة كفيه صورة الوطن..
على مقالات وأشعار وقصص ستهتم بفاتورة الكهرباء والكاز والعدس، وتبديها عن فاتورة بيع وطن..
الشتاء جاء مبكرا...
لا بأس! سأمشي اليوم تحت مطره الأول عارية الرأس، وأتنفس رائحة التراب والخبز والقهوة الساخنة رغما عن النوافذ المغلقة، ولن أحزن على تقلبات الفصول الأربعة!