الشتوة الأولى.. (الكف الأول)!!

ثمة ما كشفته شتوة الأسبوع الماضي يشي بتحولٍ جذري في تعاطينا مع الازمات، فبعد أن كشفت مطالبتنا بالإصلاح ومعارضتنا رفع الأسعار وجهنا الآخر، جاء إعصار "فتحية" كما اصطلحنا عليه، ليخبرنا بأبعد من ذلك.اضافة اعلان
الإعصار الذي جاء متوقعاً بالتفاصيل، كشف المستور في شخصيتنا أولاً، وفي قدرتنا الخفية على إظهار الفشل في إدارة الأزمات وتقديمه بلغة الفزعة، نجاحاً خارقاً في الرد على كل حالة بمفردها وبأسلوب (الترقيع)..
"شتوة" واحدة كانت تكفي لأن نكشف وجهنا الحقيقي وأن يذوب قناع الكشرة والجدية التي لازمنا، كذوبان ثلج العاصفة التي فاجأتنا شكلاً وكماً ونتائج.
عند (الكف) الأول.. انهارت قوانا واعترفنا أننا بالجاهزية التي ادعيناها، فمناهل الشوارع تعجز عن استقبال كميات المياه المتدفقة بغزارة، فيما الأنفاق والجسور والدواوير ومداخل الطرق، تكشف أن بدهيات هندسية شديدة الوضوح قد أُهملت، ما يعرفه العالم بميلان التدفق، فتشكلت بحيرات وذهبت السيول الى أبعد ما كان أكثرنا جاهزية، توقعاً.!!
استقبلنا (الكف) الأول.. واكتشفنا أن عدداً مهولاً من يافطات مرشحي الانتخابات (العاصفة) قد تغولت على الطرق والارصفة والاعمدة والدواوير مخالفة قوانين الدعاية ولوائح البلديات وقانون العيب والأخلاق العامة.. ثم ماذا حصل..؟!
تلقينا (الكف) الثاني.. أشجارٌ في شارع الجامعة, وعند مشروع (الكف) السابق "الباص السريع"، نُزعت بكامل رَونقها بعد أن ربطها مرشحون بيافطاتهم العملاقة، وعرباتٌ تعرضت لحوادث مميتة بعد سقوط تلك الوعود العملاقة على رؤوس سائقين..
ثم, أُحصي مئات الحوادث في عمان بسبب انعدام الرؤية من صور المرشحين التي غطت آفاق الدنيا, وهي مُبتسمة جداً ومصحوبة بضباب العاصفة..
(الكف).. الثالث, اكتشفنا أن عدداً من أولئك المرشحين الذين وعَدوا بغد أكثرَ "نزاهة", وبعضهم من أتى سابقاً بغيرها.. هم أنفسهم من كان جزءا من منظومة البنية التحتية العاجزة, والتي أصبحت هكذا اليوم, بسبب سوء إدارتهم وتخطيطهم وحُسن علاقاتهم وابتساماتهم..
أدركنا بعد (الثالث).. أن شققاً أرضية دُمرَت بأثاثها وأمان ناسها، بسبب تراخيصَ مُنحَت دون النظر الى أخطار الانحدارات وضرورات الميلان الذي هو الف باء.. هندسة.
ثم اقتنعنا أننا لسنا بالجاهزية سوى للتصريحات الفضفاضة التي تتحدث عن الانجازات المُزيفة ومستويات التنمية المغلوطة والجاهزية المُدَعاة، وأننا ما نزال نُفاجأ بحلول رمضان، تماماً كما فاجأتنا أخبار عاصفة جوية ضربت غيرنا وتعامل معها بأكثر واقعية وبأفضل إدارة.
بعد كل الصفعات، ما يزال الأمل في صور مشرقة، لا تعوزها العزيمة ولا تثبطها المفاجآت، أحكي هنا عن مشهد فريد تابعته عن كثب في شوارع العاصفة، لأداء القوات المسلحة وكوادر الدفاع المدني والامن العام والسير ومتسلقي الكهرباء وبعض من قيادات الامانة التي وجدت نفسها تتلقى صفعة كبرى تتمثل في إرث سوء الادارة والاستنزاف.
(الكف) الأخير.. حين تلقيت مكالمة من مواطن في قرية الجُحفية قال لي فيها إنه يأسف لحال أبناء عمان، وما جرى فيها جراء العاصفة، فيما قريته الوادعة تنعمُ بأفضل الحالات حيث التصريف الجيد للمياه.. والدنيا ربيع، وقمر.
في الشتوة القادمة.. لعلنا نكون ضيوفا على صديقنا في الجُحفية!!

[email protected]