الشراكة الحقيقية بين القطاعين

ما يزال هناك خجل من السير في مشاريع شراكة مختلفة الحجم وتتبع منهجيات ومقاربات مختلفة وتستهدف الإفادة من موارد وخبرات القطاع الخاص، والانطباع السائد أن الشراكة يجب أن تقتصر على مشاريع عملاقة (سكة الحديد، النقل، الطاقة والمياه وغيرها)، رغم أن التوجهات العالمية السائدة انتقلت للحديث عن شراكة في تحقيق التنمية وليس اتباع نهج التخصيص الذي يعتمد على نقل أصول القطاع العام لصالح القطاع الخاص وبالتالي إدارة تلك المشاريع. تجربة الأردن في هذا المجال مختلطة، ولعل خلاصة تقرير لجنة التخاصية بهذا الخصوص والتي رأسها في حينه رئيس الوزراء الحالي عمر الرزاز خلصت الى ذلك، بمعنى أن التقييم خضع لبعض المعايير ولم يستند الى منهجية فكرية أو أيديولوجية معينة، بل تخطاها الى النتائج، فكانت هناك تجارب ناجحة وأخرى غير ناجحة لأسباب أوردها التقرير، فلماذا لا يستفاد من التجارب الناجحة وتعميمها، بدلا من التركيز على التجارب الفاشلة أو التي شابها عيوب. تلك الدروس كان يجب أن تستلهم سياسات لاحقة تساهم بتعزيز نهج يستهدف تحسين نوعية الخدمات والحاكمية الجيدة، لكن ذلك لم يحصل، رافق ذلك خلل واضح في قانون الشراكة السابق الذي تم تعديله مطلع العام الحالي ليمهد لأشكال مختلفة من الشراكة، للأسف لم تر المشاريع الجديدة النور بشكل عملي بعد، فالمسألة لا تقتصر على قانون الشراكة بل تتعداها الى الأدوار المؤسسية المختلفة والتنسيق فيما بينها، وهو أمر يحتاج الى جهود إضافية تتجاوز دور وحدة الشراكة بين القطاعين التي تم إطلاقها وتسكينها في رئاسة الوزراء. ولعل السؤال المرتبط بموضوع الشراكة يرتبط بمدى التقدم وتحقيق الكفاءة في إدارة العديد من المنشآت في قطاعات لغاية اليوم تعد من المحرمات مثل الصحة والتعليم والخدمات والمنافع العامة، هل سيؤدي نقل الإدارة الى تجويد الخدمات وتخفيف الأعباء على الموازنة من خلال عقود الشراكة أم لا؟ هذا هو السؤال الذي يتطلب الإجابة عنه وليس تقسيم القطاعات بين مسموح وغير مسموح، وفي النهاية هذا ما سيهم المواطن متلقي الخدمة، لكن الحوارات التي ترافق هذا النوع من التحولات تكون خجولة وتفتقر الى استراتيجية تواصل واضحة تجعل من الصعب الحديث عن الإيجابيات المحتملة. يضاف الى ذلك فقدان الثقة بالقطاع الخاص للالتزام بالمعايير المطلوبة. لنأخذ التعليم مثالا، فما ينوف على ربع طلبة المدارس يرتادون مدارس خاصة، وثبت أن التعليم في الكثير من المدارس الخاصة يتفوق نوعية على التعليم في المدارس العامة بسبب الموارد والمرونة وغيرهما من العوامل، فلماذا لا يتم التفكير بإسناد بعض المهام لصالح الخبراء في القطاع الخاص لتولي مثل هذه المهام والتدرج في ذلك، والحديث مرة أخرى ليس عن تخصيص التعليم بل التشاركية لتحسين النوعية وفقا لمعايير واضحة. وحال تحقق ذلك، سيتم تحقيق هدفين؛ الأول يتمثل بتحسين نوعية مخرجات العملية التعليمية، والثاني تخفيف العبء المادي والإداري على الحكومة، ويصبح التركيز على المعايير والأسس التي ستحكم الأداء، وهذا مثال يمكن تكراره، وتم تطبيقه، على سبيل المثال، في بعض خدمات قطاع المياه. آن الأوان لاجتراح أدوات جديدة للتعامل مع التحديات وضعف موارد القطاع العام، ومحاولة تجنب أعباء إضافية على الإنفاق العام، وهناك حلول ممكنة لكنها تحتاج الى خريطة طريق واضحة لا يتم التراجع عنها بعد أول جولة، فالمسألة تتعدى اتخاذ القرار الى إقناع رأي عام مشكك بجدوى العملية.اضافة اعلان