الشرق الأوسط في الانتخابات الأميركية

في لقاء جمعني مع عدد من الأساتذة الجامعيين في الولايات المتحدة، انصب الحديث لأكثر من ساعة ونصف على الانتخابات الأميركية وتحديدا على مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي سيعقد في مدينة دينفر في الثامن والعشرين من الشهر الجاري. وبالرغم من أن الأساتذة مختصون في السياسة الخارجية وبعضهم في الشرق الأوسط إلا أنهم لم يتطرقوا للشرق الأوسط الا في السياق وكان التركيز على الاقتصاد الأميركي.

اضافة اعلان

وكما تفيد الكثير من الاستطلاعات العلمية (مؤسسة زغبي)، فإن ما يقارب من 60% من الناخبين سيصوتون بناء على الموقف من الاقتصاد وليس على أساس الموقف من السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. والراهن أن تراجعا كبيرا حدث على موقع الشرق الاوسط والعراق تحديدا في النقاش العام بين المرشحين.

هذا الأمر لم يكن متوقعا وبخاصة بعدما جرت الانتخابات النصفية للكونغرس قبل سنتين بشكل عكس موقف الشارع من الحرب على العراق. واعتبر عندها فوز الديمقراطيون في المجلسين استفتاءً على الموقف الشعبي المعارض لاستمرار الحرب في العراق.  وقبل أشهر جادل الكثيرون، من بينهم هيلاري كلينتون، بأن انتزاع جون ماكين لترشيح الجزب الجمهوري يعني أن الجدل الأساسي على أجندة الانتخابات سيكون حول الأمن القومي وبخاصة مواضيع الحرب على الارهاب والعراق وإيران. لم يتمكن ماكين لغاية هذه اللحظة من قلب الأوراق وتركيز الجدل العام على مواضيع الأمن القومي إذ يعتقد ماكين بأنه الأقوى فيها من خصمه الديمقراطي باراك أوباما.

أهمية الاقتصاد كعامل محدد لسلوك الناخب الأميركي ليس بحاجة الى براهين. ويتسابق المرشحون على الاكثار من التصريحات التي تعالج مشاكل تهم الاقتصاد والطاقة لا سيما بعد ارتفاع أسعار النفط وتأثيره البالغ والواضح والمباشر على المستهلك الأميركي والكساد في اسواق العقار. وفي الأسبوع الماضي تسابق كل من أوباما وماكين لكسب تأييد كبار أصحاب الأعمال. وبالفعل تمكن أوباما من احداث اختراق في استمالة عدد مهم منهم وهم أصحاب أعمال معروفون بقربهم من برنامج الحزب الجمهوري تاريخيا. اختراق أوباما لم يكن مفاجئا لأن الكثير من رجال الأعمال من الول ستريت تبرعوا لحملة باراك أوباما في السابق على أمل أن يفوز بالرئاسة لعله يحسن من صورة الولايات المتحدة في العالم بشكل ينعكس ايجابا على استثماراتهم الخارجية.

لم يتأخر ماكين عن أوباما إذ رتب الكثير من اللقاءات بغية خلق انطباع بأنه يتمتع بثقة رجال الأعمال لعل ذلك يغطي على ضعفه في موضوع الاقتصاد. الجدير أن ماكين ركز جّل وقته على اظهار خبرته في السياسة الخارجية والأمن القومي وهو الآن يتخلف عن أوباما في الاستطلاعات المختلفة. طبعا يدرك ماكين أن تقدم أوباما في الاستطلاعات لا يعني الكثير ولكنه أيضا مؤشر.

فالمعركة الانتخابية ستحسم في الولايات المتأرجحة، مثل فلوريدا، التي يبدو أن بعضها سيذهب للجمهوريين. ولهذا نجد أن أوباما يركز على ولايات أخرى تصوت للجمهوريين ولكنها قابلة لأن تتجه نحو الديمقراطيين وبخاصة اذا ما ظهر الحزب الديمقراطي بمظهر جيد في مؤتمر الحزب وأعيد الاعتبار لهيلاري كلينتون التي يجد الكثير من أنصارها النساء أنه تم تجاوزها لسبب متعلق بالسكيزم (أي أن المرأة لا تستطيع القيام بمهام معينة بسبب جنسها).

صحيح أن هناك ما يقارب من 20% بين الناخبين سيعتبرون موضوع العراق في غاية الأهمية، لكن هذا لا يجعل الجدل العام القادم متعلق بالعراق وانما بالاقتصاد. فالشرق الأوسط في الانتخابات يأتي من البوابة الإسرائيلية في كثير من الأحيان. فمثلا، يكثر الحديث عن نية ماكين تعيين يهودي متحمس لإسرائيل نائبا له حتى يتسنى له كسب أصوات وتأثير اليهود الذين يصوت غالبيتهم الساحقة للديمقراطيين. ويعزز من هذا التوجه معرفة ماكين بأنه المرشح الأفضل في إسرائيل مع أن الإسرائيليين لا يحق لهم التصويت في الانتخابات الأميركية.