الشعبويون اليمينيون في أوروبا يجدون حلفاء في إسرائيل

مسلمة تمر من أمام ملصق دعائي لزعيم حزب الحرية النمساوي المتطرف، هاينز ستراتشه - (أرشيفية)
مسلمة تمر من أمام ملصق دعائي لزعيم حزب الحرية النمساوي المتطرف، هاينز ستراتشه - (أرشيفية)

تشارلز هاولي – (دير شبيغل)

 ترجمة: عبد الرحمن الحسينياضافة اعلان

لا يشكل البيان الذي أصدره أنديرس بريفيك، والذي يقع في 1500 صفحة شيئاً، أن لم يكن كاملاً. فالصفحات تلو الصفحات من النص توضح بتفصيل مؤلم النقاط الأيديولوجية لنظرته العالمية -وهي وجهة النظر التي قادته إلى قتل 76 شخصاً في هجومين رهيبين في النرويج مؤخراً.
وهي وثيقة أفضت بالعديدين إلى التشكيك في السلامة العقلية لبريفيك. لكنها أيضاً، نظراً لاقتباساتها العديدة جداً والنقل الضخم من عدة مدونات معادية للهجرة، والتي ترفع لواء الإسلاموفوبيا أو الرهاب من الإسلام، أبرزت الشبكة المتداخلة، على نحو معمق، للمجموعات والأحزاب الشعبوية يمينية الجناح في عموم أوروبا -بدءاً من الجبهة القومية في فرنسا إلى حركة فلام ليلانغ Vlaams Belang في بلجيكا، و"حزب الحرية" في النمسا.
 لكنه أصبح من الواضح مؤخراً أن الأحزاب الشعبوية في أوروبا ليست مكتفية وحسب بتأسيس شبكة في القارة، فهي تتطلع أيضاً نحو الشرق. وقد شرعت في إرساء عرى علاقات وثيقة مع العديد من الساسة المحافظين في إسرائيل -أولاً وفي المقام الأول، مع أيوب القرة، البرلماني في حزب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (الليكود)، ونائب الوزير لشؤون التنمية في منطقتي النقب والجليل.
والسبب وراء تنامي التركيز على إسرائيل ليس صعباً على التخمين. فقد قال ستراتش لموقع دير شبيغل الإلكتروني في مقابلة أجريت معه مؤخراً: "من جهة، نشهد ثورات كبيرة في الشرق الأوسط. لكن المرء لا يستطيع التأكد كلية من أن جهات أخرى تقف وراءها، وأننا ربما نرى في نهاية المطاف ثيوقراطيين إسلاميين يحيطون بإسرائيل وفي حديقة أوروبا الخلفية".
وبعبارات أخرى، وفي المعركة ضد ما يرى الشعبويون اليمينيون أنه زحف أسلمة على أوروبا، فإن إسرائيل تقع على الخط الأمامي.
"أكثر حساسية للمخاطر"
يرى العديدون في إسرائيل الحالة بنفس الطريقة. ويقول أليعازر كوهين المعروف في إسرائيل باسمه المستعار "شيتا"، أن الأحزاب اليسارية في كل من أوروبا وإسرائيل على حد سواء قد فقدت طريقها. وكوهين هو كولونيل متقاعد من سلاح الطيران الإسرائيلي، وكان قد تقلد أوسمة وهو عضو سابق في الكنيست مع الحزب القومي المتشدد "إسرائيل بيتنا" الذي يتزعمه وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، والمشارك راهناً في الائتلاف الحكومي بقيادة الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو.
وكان كوهين الذي ألقى كلمة رئيسية خلال زيارة الزعيم اليميني الهولندي غيلت ويلدرز إلى برلين في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي قد قال لديرشبيغل: "إنهم يتحدثون نفس اللغة مثل الليكود والآخرين في اليمين الإسرائيلي. وأنا كبير جداً في السن لأن أقول كلاماً تافهاً -إننا نأمل بأن يكسب اليمين في أوروبا".
ولا يبدو أن القرة ينطوي على شيء مختلف. فقد قال لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية في حزيران (يونيو) الماضي: "إنني أبحث عن طرق للتقليل من التأثير الإسلامي في العالم". وأضاف: "إنه النازية الحقيقية في هذا العالم. وأنا شريك كل شخص يعتقد بوجود هذه الحرب".
ومن النظرة الأولى تبدو علاقة الشعبويين الأوروبيين مع إسرائيل بالكاد زواجاً مبنياً على الحب. ويرى العديدون حزب الحرية النمساوي مجرد خطوة صغيرة وحسب، بعيدة عن المجموعات النازية الجديدة الكلاسيكية. وينطبق نفس الشيء على شركائهم في أوروبا. وبينما تصر هذه الأحزاب على أنها ليست معادية للسامية -حيث يدعي ستراتشي بأنه يلقي نظرة وثيقة على مواقف الأحزاب الشعبوية تجاه إسرائيل واليهود قبل أن يدخل في شراكات معها- فمن غير الصعب إيجاد نقد لاذع وقاسٍ متطرف ومعادٍ للصهيونية ومعادٍ للسامية في داخل سجلات العضوية التابعة للطرف الشعبوي.
لنأخذ أندرياس مولزر، مثلاً، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الحرية النمساوي، الذي غير نبرته مؤخراً للدفاع عن تقرب ستراتشي من إسرائيل، والذي يحرر صحيفة أسبوعية تدعى "زور زيت" المليئة بالتهجمات على إسرائيل. وفي أعقاب توغلها في أراضي قطاع غزة في أواخر العام 2008، اتهمت الصحيفة إسرائيل بالتصرف وفقاً "للروح التلمودية التي تنص على الإبادة"، وبأنها تحاول "إبادة معسكر الاعتقال المفتوح في قطاع غزة وفق روح العهد القديم".
"مليونير من النازيين الجدد"
في الحقيقة، وعندما يتعلق الأمر بحزب الحرية النمساوي، يقول مراقبو الحزب إن تبني إسرائيل، بغض النظر عن مدى ميلها إلى الإغراق في اليمينية، هو جهد غير مخلص لتأسيس مصداقية للسياسة الخارجية. وكتب هيريبرت شيدل، وهو خبير في حزب الحرية النمساوي، في رسالة إلكترونية إلى مركز التوثيق التابع للمقاومة النمساوية، وهي مؤسسة تتابع التطرف اليميني: "إن الاستراتيجية هي بوضوح تطبيع الحزب لنفسه بحيث يصبح مقبولاً اجتماعياً". وأضاف: "ونفترض أن المعاداة للسامية تظل جزءا رئيسياً من أيديولوجية الحزب".
ويميل العديدون في إسرائيل إلى الموافقة. وقد هوجم القرة في الصحافة الإسرائيلية بسبب اجتماع عقده في برلين مع باتريك برينكمان، الشعبوي اليميني الألماني. ويقول عنوان رئيسي في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في وقت سابق من شهر تموز (يوليو): "نائب الوزير يجتمع مع مليونير من النازيين الجدد"، مشيرة إلى أن برينكمان الذي يصر راهناً على القول إنه غير معادٍ للسامية، كان يتمتع ذات مرة بروابط وثيقة مع الحزب القومي الديمقراطي الألماني المتطرف "إن. بي. دي". وفي أعقاب زيارة قام بها إلى فينا في كانون الأول (ديسمبر) للاجتماع مع ستراتشي، نشر زعيم الطائفة اليهودية في فينا آرييه موزيكانت رسالة مفتوحة طالب فيها نتنياهو بطرد القرة من منصبه.
مع ذلك، يبقى التركيز الرئيسي للرسالة السياسية لحزب الحرية النمساوي هو -مثل تلك الخاصة بالأحزاب الشعبوية من الفنلنديين الحقيقيين في فنلندا، والليغا نورد "العصبة السوداء" في إيطاليا-تنطوي على الشك المتطرف تجاه الهجرة الإسلامية. وتعارض هذه المجموعات بناء مآذن، وهي مقتنعة بأن مستقبل أوروبا مهدد بمعدلات الولادة العالية عند المسلمين، ومتأكدة من أن على الغرب المسيحي أن يدافع عن نفسه ضد الإسلام.
ويقول ستراتشي: "لأجيال، تجاهل الساسة في أوروبا التطورات الديمغرافية. وقد أصبحنا الآن في وضع يترتب علينا فيه أن نحذر من أننا نشهد أسلمة أوروبا". وقال أيضاً: "لا نريد أن نصبح مجتمعاً إسلامياً".
وكان غيرت فيلدرز الذي اكتسح العناوين الإخبارية في العام 2008 بفيلمه الشرير والمعادي للإسلام "الفتنة" قد احتل قصب السبق في الربط الإسرائيلي الشعبوي الأوروبي في نفس ذلك العام. وقد زار إسرائيل منذئذٍ لعدة مرات.
متحالفون مع المستوطنين
بدأت العلاقات الأوسع بشكل جدي في وقت متأخر من العام الماضي، عندما سافر ستراتشي إلى إسرائيل في كانون الأول (ديسمبر)، سوية مع زعيم حزب فلامز بيلانغ فيليب ديونتر، وكنت إيكيروث من حزب الديمقراطيين السويدي، ورينيه ستادتكيفيتز الذي أسس الحزب المنتقد للإسلام والذي يدعى "الحرية"، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وقد تم الرد على الزيارة بسرعة من خلال زيارة قام بها القرة وآخرون إلى فينا في نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر). وتبعت ذلك زيارات متبادلة، بما في ذلك زيارة القرة مع برينكمن في تموز (يوليو).
ويقع الشركاء الذين سعى إليهم الأوروبيون التابعون للجناح اليميني في إسرائيل في يمين الوسط. وكان القرة، العضو في الأقلية الدرزية، والذي يتمتع بعلاقات حميمة مع نتنياهو، قد عارض الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وهو داعم مخلص للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. وكان غيرشون ميسيكا، الزعيم الاستيطاني في الضفة الغربية، قد استقبل الوفد الشعبوي في كانون الأول (ديسمبر). كما أن هيليل فيز وديفيد ها-إفري، وكلاهما منافحان عن "الصهيونية الجديدة" التي تعتنق مبدأ استحالة العيش بسلام مع العرب، قد سافرا إلى ألمانيا في نيسان (أبريل) الماضي لحضور مؤتمر استضافته في حينه الحركة الشعبوية اليمينية الجناح الألمانية Pro-NRW.
وهم يأملون بأن تشرع منصة لكل الأوروبيين في الظهور، والتي تقدر إسرائيل كحياض مهم في مقاومة المد الإسلامي المتقدم. كما أنهم يعتقدون بأن الرهان الذكي هو على ستراتشي ومجموعته، بينما يحقق اليمين الشعبوي مكاسب انتخابية في عموم أوروبا.
"الأوروبيون لا يستطيعون النوم"
يقول ديفيد لاسار، وهو عضو مجلس بلدية مدينة فينا عن حزب الحرية النمساوي: "إن الأحزاب اليمينية المعقولة تستمد جذورها من الوطن". ويضيف: "وأعتقد بأن إسرائيل هي أيضاً بلد يقول إن هذا هو بلدنا ولا نستطيع فتح الحدود والسماح بدخول الجميع إليه كما حدث في أوروبا. وذلك هو السبب في أن إسرائيل تثق أكثر في الأحزاب ذات الاتجاه اليميني في أوروبا مما تثق في الأحزاب ذات الاتجاه اليساري".
ولاسار نفسه يهودي، وهو واحد من اللاعبين الرئيسيين في الجهود المتواصلة لتوثيق العلاقات بين إسرائيل والأوروبيين. كما أن وجهات نظره حيال إسرائيل تتناقض مع تلك التي كان يتبناها في السابق حزبه فيما يتعلق بالشرق الأوسط. وبينما يبدي لاسار تحفظاً حيال مفاوضات السلام التي تتطلب من إسرائيل التنازل عن القدس الشرقية أو الانسحاب من المستوطنات، فإن حزب الحرية ما يزال مصطفاً إلى جانب قادة عرب، مثل معمر القذافي، وقد ظل متشككاً من الموقف الأميركي المتشدد من إيران.
ومع أن ذلك آخذ في التغير، كما أوضح ستراتشي الذي يقول "ثمة مناطق لا نستطيع نحن الأوروبيين معها النوم أو البقاء صامتين. فإسرائيل تواجه خطر تدميرها. وإذا حدث ذلك، فإنه سيفضي أيضاً إلى فقدان أوروبا لأساس وجودها".
*نشر هذا المقال تحت عنوان:The Likud connection: Europe’s Right-Wing Populists Find Allies in Israel