الشعب يحسم أمره

حسم أكثر من نصف الشعب الأردني أمره فيما يتعلق بخريطة الإصلاح السياسي، وذلك من خلال التسجيل للانتخابات النيابية المزمع إجراؤها نهاية العام الحالي أو بداية العام الجديد. فقد وصلت نسبة المسجلين للانتخابات، حتى مساء الثلاثاء الماضي، 54 % ممن يحق لهم التصويت. ومن المحتمل أن تصل نسبة التسجيل إلى 65 % من الذين يحق لهم التصويت في نهاية المدة الزمنية التي حددتها الهيئة المستقلة للانتخاب، إذا استمرت نسب التسجيل بالوتيرة نفسها. إن نسبة التسجيل الحالية هي النسبة نفسها التي شاركت في انتخابات العام 2010. وإذا وصلت نسبة التسجيل إلى 65 %، فإن نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة قد تكون من أعلى نسب المشاركة مقارنة بعدة انتخابات سابقة.اضافة اعلان
ليس صحيحاً أن النسبة غير مهمة، كما يدعي البعض، لا بل إنها تكاد تكون المؤشر الرئيس على صحة العملية الانتخابية في كل الدول، لأنها تعكس حجم المشاركة الشعبية في العملية السياسية. ومن ثم، فهي مهمة جداً، ومؤشر أساس على ثقة الناس بالعملية الانتخابية. وفي حالة الأردن، تضاف إليها عملية الإصلاح السياسي وخريطة الطريق التي أعلنها الملك. إذ إن الغالبية تريد أن ننتقل من النقاش والجدل على عملية الإصلاح من خلال الانتخابات، ووجود مجلس نيابي، وحكومة تحظى بثقة الشارع. أما بالنسبة للذين لم يسجلوا للانتخابات، فليس بالضرورة أن يكون ذلك نتيجة تلبيتهم لدعوة الأطراف المقاطعة للانتخابات، لأنه وفي ظل مشاركة كل القوى السياسية، كانت هناك نسبة من الذين لم يشاركوا في الانتخابات لأسباب مختلفة، منها المقاطعة.
كذلك، تشير الدراسات والاستطلاعات إلى أن الذين سجلوا للانتخابات يمثلون المشارب السياسية كافة. وهناك جزء مهم منهم يأتي من الذين أفادوا بأنهم يدعمون مرشحين من التيارات السياسية المقاطعة للانتخابات.
الدلالة الأخرى المهمة التي يمكن استشرافها من الإقبال على عملية التسجيل، هي أن المعارضة المقاطعة للانتخابات قد فشلت في إقناع غالبية المواطنين بعدم التسجيل للانتخابات. ويعكس ذلك ضعف حضور هذه القوى في الشارع. لقد تمثلت استراتيجية القوى المعارضة المقاطعة للانتخابات في إفشال العملية السياسية المؤدية للانتخابات النيابية، من خلال مقاطعتها للانتخاب، ثم راهنت على فشل العملية من خلال دعوة المواطنين والأنصار إلى عدم التسجيل للانتخابات. وبعد ذلك تفردت جماعة الإخوان المسلمين بالتشكيك في مصداقية عملية التسجيل، والطعن في قدرة الهيئة المستقلة على تطبيق إجراءات التسجيل بحيادية ونزاهة. وعندما فشلت الجماعة في كل ذلك، قررت النزول إلى الشارع، وعملياً وحدها، وبدون مشاركة القوى السياسية التي كانت متحالفة معها في الفترة الماضية، من خلال الجبهة الوطنية للإصلاح التي ضمت طيفاً واسعاً من القوى والاتجاهات السياسية القومية واليسارية والليبرالية.
ذلك يقود إلى الاستنتاج الحتمي حول دوافع الحشد لمسيرة يوم الجمعة، والتي تتجاوز التعبير عن الرأي أو الاحتجاج على قرار أو سياسة، وإنما لتعطيل العملية السياسية، وحرف مسارها، وخلق ديناميكية سياسية جديدة عجزت عن الوصول إليها خلال العامين الماضيين.
إن الاحتجاج والتظاهر حق للكل، ولكنه في السياق السياسي يعتبر تكتيكاً سياسياً للحصول على مكاسب سياسية. أما جعله الاستراتيجية الوحيدة للحصول على المكاسب، فهو دليل فشل في الأهداف والرؤية والآلية بالمنطق السياسي؛ فالمواجهة لم تعد مع الدولة فقط، وإنما مع التيار العريض من الناس الذين يرغبون في استكمال الاستحقاق السياسي، والذهاب إلى الانتخابات، وطي صفحة المرحلة الماضية وفتح صفحة جديدة في العمل السياسي.